لن تمر أحداث باريس الدامية هكذا وفقط كغيرها من الأحداث التي شهدناها مؤخرًا في الإقليم الشرق أوسطي، كان أولها سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ وتفجيرات الضاحية الجنوبية في بيروت آخرها. إن أحداث باريس على فجاعتها تحمل تغييرات شتى ستنعكس على كل الأصعدة الدولية والإقليمية والمحلية في سوريا. كلّ هذا ولن تكون قضية سوريا وشعبها إلاّ المتضرر الأكبر.
من بين كل الدول الداعمة للمعارضة السورية، كانت باريس هي الأكثر دفعاً من بين كل الاتحاد الأوروبي نحو الوقوف بشكل حاسم ضد الأسد والمطالبة برحيله الفوري للشروع بالحل السياسي. ومن بين كلّ دول الاتحاد الأوروبي كان الفرنسيون هم الأكثر دفعاً لتمويل المنظمات السورية في مناطق المعارضة بحيث تنهض بحكومة مضادة للنظام السوري قادرة على تشكل أرومة دولة ومؤسسات. ومن بين كل دول الاتحاد الأوروبي كانت فرنسا وإلى الآن تقف مع قضية اللاجئين السوريين السياسيين منهم وغيرهم من الهاربين من أتون الحرب. فهي الوحيدة التي تمنح الإقامة الأطول للاجئ فور وصوله الأراضي الفرنسية. كل هذا لم يشفع لفرنسا كي لا يمسها الضر والورم الداعشي!.
وعلى الرغم من تبني داعش مسؤوليتها عن هذه الهجمات الرهيبة، إلا أن المهنية والاحترافية القائلة بضرورة الانتظار للتحقق التام والفعلي عن هوية الجاني في باريس في ليل 13 نوفيمبر من عام 2015، كل هذا لن يكون عائقًا أمام النتيجة الواحدة التي تفيد أن ما جرى هو على أكبر وأوثق صلة بهذا الورم المتقيح في بلاد الشام. لذا فإن التضمينات الناجمة عن المزاج الدولي العام ستكون هي نفسها، سواء كانت داعش من الذي فجر حقيقة، أو كانت استخبارات محور الممانعة والصمودكما تذهب بعض التحليلات، أو حتى أية جهات ثالثة لا علّم للجمهور بها.
هذه التضمينات قد بدأت إرهاصاتها منذ الساعات الأولى التي تلت الأحداث، فسرعان ما خرج الرئيس فرانسوا هولاند وأعلن حالة الطوارئ وأغلق الحدود، وهذا ما يمثل أول الانعكاسات على القضية السورية وبشكل أكثر تحديدًا قضية اللاجئين واللجوء السوري في كل بقاع الشتات. لن نستغرب في الأمد القصير القادم مثل هذه الإجراءات في كل دول الاتحاد الأوروبي مما سيفرض تضيقات وأعباء فوق تلك التي يجابها السوريون في تغريبتهم التعيسة.
هذه التفجيرات الباريسية لم تكن محنكة في اختيارها للمكان - فرنسا عن غيرها من دول الاتحاد الأروربي – بل إن التوقيت أيضاً له أهميته. إنها تأتي في وقت يفترض فيه للحلول السياسية بشأن قضية سوريا أن تكون هي الرقم واحد في محادثات فيينا. لكن كيف لدول العالم الأخرى أن تلتفت لدماء الشعب السوري والتي تعودوا عليها على مدار خمس سنوات ببراميل الأسد وسكاكين داعش؛ في حين أن دماء الباريسيين ستبقى رائحتها تفوح في شوارع فرنسا وأحيائها و ملاعبها. و هذا ما سيمثل الانعكاس الأقليمي والدولي الأهم على الوضع في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي سوريا خصوصاً. سنتوقع بالتأكيد تعثرات كبيرة في العملية السياسية والاهتمام الدولي بحل القضية السورية، وستكون إجراءات مكافحة الإرهاب وكيفية حماية الدول "العظمى" هي الشغل الشاغل لاجتماعات فيينا وغيرها في المحافل الدولية. ومن المستبعد أن تحفز هذه الهجمات تصاعد الرغبة الدولية بوضع حدّ للاحتراب السوري بالقضاء على داعش أو الأسد أو كليهما، فروسيا اليوم هي التي تتحكم بدفة الضياع السوري .. لذا سيكون المرجح الأكبر أن تترك سوريا لروسيا كليّاً، بحيث تلتف دول الاتحاد الأوروبي ومعها امريكا لمحاربة الدواعش الذين أصبحوا الآن في البيوت الباريسية و ممكن مستقبلاً في شوارع نيويورك وواشنطن.
إذاً المسؤول عن هذه الدماء ليس مهماً على الاطلاق، فعلى الرغم من علّم الجميع أن الفاعل هو نفسه سواء كان المنفذ أو المخطط أو المحفز؛ فإن ما هو مهم أن خمس سنوات من القتل والحرب شنّها سفاح أرعن لم يتحرك في شوارع دمشق أكثر مما تحرك في شوارع موسكو قد ولدت ورماً عديد الأشكال في قلب بادية الشام أصبح يمس ضرّه كل بقاع الأرض.
المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يضع حدّاً لهذه السياسة اللامبالية تجاه شعوب العالم المنكوبة، فالمسألة قد غدت أكبر من حدود الدول والأقاليم، إنها باقية وتتمدد في كل أرجاء المعمورة.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".