في شماتة السوري بدم السوري.. المجزرة الحقيقية!

في شماتة السوري بدم السوري.. المجزرة الحقيقية!
القصص | 13 نوفمبر 2015

كان لافتا كم التهكم والسخرية والشتم والسباب الكبير الذي نضحت به صفحات الموالين منذ أيام قليلة عند إعلان وفاة وحيد صقر. رد الفعل هذا لم يكن ربما ليتناسب مع ثقل الرجل سياسيا، فالمتوفى ليس ميشيل كيلو، وليس جورج صبرا، وليس خالد الخوجا أو صدر الدين البيانوني!

فضلا عن أن شاتمي المتوفى لم يسمعوا يوما على ما يبدو بعرف ديني واجتماعي يقتضي بذكر حسنات الموتى، فإن كانوا لم يجدوا حسنات فمن أين أتوا بكل هذا السباب والصراخ على جثة رجل لم يكن يوما من صقور المعارضة ولا حتى من عقبانها!

وبينما رأت المعارضة ضرورة لتكريم ذكراه بوصفه "رجلا ذو مواقف وطنية" بالاستناد غالبا إلى انتمائه للطائفة العلوية، مما حمله كما معظم المعارضين العلويين سخط النظام السوري، وسخط بعض المعارضة أحياناً.

تمجيد الفرد، وصولا إلى تقبيل الحذاء العسكري، مرورا بكل التفاصيل المتعلقة باحتكار البلد كمزرعة خاصة وما شاب ذلك من سلوكيات التشبيح، كانت تلك منهجية ساهمت في إفساد السوريين وتحويلهم عن مسار الحضارة وإعادتهم آلاف السنوات إلى الوراء، لنصحو على شتيمة رجل بأقذع الألفاظ، فقط لأنه كان علويا "غير موال"، أي مقصلة أخلاقية هذه!

الرجل الذي روى أصدقاؤه المقربون أنه أصيب بمرض نادر عقب عودته من زيارة قام بها لروسيا "سرا" كما ورد على لسان أحد أصدقائه، رواية تحيلنا إلى عرفات آخر، وعوضا عن التوجه إلى الطب، وإلى العدالة لكشف الحقيقة وراء مصرع شخصية عامة، ناصرت مطالب السوريين في العدالة والحرية وتقرير المصير، يتنطح سوريون موالون يعتبرون أن الوطنية وكالة حصرية لهم يستطيعون منح شهاداتها فقط لمن يروق لهم، أو ربما بورصة تصعد وتهبط أمامهم وفقا لمعاييرهم هم فقط!

وهل كان المعارضون سيكيلون هذا السيل من الشتائم والاتهامات لو أن المتوفى رجل من رجالات النظام مثل وائل حلقي أو المفتي حسون؟ أم أن الموالين فقط من يملكون هذا الحق الذي يخول لهم تمجيد نزاهة رياض حجاب عندما كان محافظا للاذقية ووزيرا للزراعة من بعدها ورئيسا لمجلس الوزراء، ويتيح لهم بعد انشقاقه وصفه بالعميل الخائن وقد كان منذ لحظات رئيس حكومتهم وكانوا فخورين به! ويتيح لهم السخرية من ضحايا المجازر التي يرتكبها النظام في دوما وسواها، وكأن الأشلاء لأعدائهم وليست لمدنيين معظمهم أطفال ونساء واقعين تحت سيطرة "المسلحين الإرهابيين" على حد وصفهم؟

سيتنطح الآن من بين صفوف الموالين من سيتهم "المعارضين الخونة" بأنهم هم أيضا قاموا بالسخرية وشتم رموز النظام، ابتداء من السخرية من رأسه، والعائلة، والطائفة التي لطالما وصفت ب "النصيرية" وسوى ذلك، لقد كان هؤلاء يسخرون حين كان الرصاص في وجه المظاهرات المطالبة بالعدالة والحرية والكرامة، وكانوا يقلدون لثغة الرئيس حين كانت تصم آذانهم أصوات الميغ والبراميل، وصولا إلى هدير السوخوي اليوم، لقد سخر أهل حمص وصنعوا الابتسامة لأنه لم يتبقى لهم سواها! لقد غنى "القاشوش" يوم لم يكن يملك سوى صوته ليقوي من عزيمة المعتصمين في ساحة الساعة بحماه، وإذا كنت تستنكر سخرية أخيك السوري فلماذا تفعل مثله؟ وإذا كنت قد بدأت بإطلاق الرصاص وأكملت بالبراميل ووزعت الحلوى لمجزرة حصلت راح ضحيتها أطفال أبرياء، فكيف ستطلب منه اليوم أن يتضامن معك ويعلن استنكاره لمجزرة ترتكبها قذائف سقطت على حيك؟ 

لست هنا بصدد الدفاع عن رجل توفي هنا، أو رجل انشق هناك، ولست بوارد مناصرة جهة ما بقدر ما أنا معنية بمناصرة قضية العدالة، من القاتل الحقيقي، ومن المجرم الحقيقي، العدالة الموكلة بإعطاء كل ذي حق حقه، وربما والحال هذه فإننا سنواصل الخوض في حروب لا طائل منها، طالما أننا لم نحدد من جديد قائمة أولوياتنا ومطالبنا.

ودون ذلك.. طريق طويل.

 *مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق