مقالات الرأي | يتكرّر وبسماجة مقيتة القول، أنّ المشكلة في سوريا تكمن في الرئاسة بالتحديد. فهي سبب كل هذه المآسي. ولكن هل فعلاً هي سبب استمرار المأساة السورية؟ تقول موازين القوى أنّ النظام السوري كاد أن يسقط لأكثر من مرة، وأنقذه مرة حزب الله ومرة إيران وأخيراً روسيا. إذاً من حيث المبدأ النظام لم يعد هو من يحارب الشعب، بل تلك الجهات بالتحديد، وتحوّل هو إلى ذراعٍ لها. النظام لم يخفِ ذلك، فقال الأرض لمن يحارب دفاعاً عنها، ويمكن رصد اللافتات الضخمة في الشوارع السورية الخاضعة لسيطرته، والتي تقول عاهدوا ووفوا، أي حسن نصر الله وبوتين وطبعاً الخميني.
المعارضة التي لم تثق بالشعب مرة، لا قبل الثورة ولا بعدها، فقد ناشد قادة المجلس الوطني، ولاحقاً الائتلاف الوطني أمريكا لتتدخل عسكريّا وبالحماية الدولية وبالحظر بالجوي، ولكنها لم تحصّل ممراتٍ آمنة لإيصال المساعدات للمحاصرين. وقد أعلنت الدولة الأمريكية رفضها لهذه الاستجداءات، ورفضت تسليح المعارضة بشكل يُنهي النظام وحلفاءه، وقبالة ذلك تدخلت في سورية لتحارب الهدف ذاته الذي يقول النظام وروسيا مؤخراً أنهما يحاربانه، أي داعش وقوى الإرهاب، ولم يحدث وبعد مضي عام كامل أي صدام بين القوات الجوية للنظام والحلف الدولي.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تخف موقفها أبداً، فهي لم تقل بسقوط النظام ولا برحيل رئيسه فعلياً وإلا لقرنت ذلك بالفعل ولدينا العراق وليبيا مثالاً، بينما كانت تضغط دائماً من أجل مصالحها، ولا سيما "تشليح" سوريا السلاح الكيماوي. الضغط الحقيقي كان ضد الدول الداعمة للمعارضة، فمنعتها من دعم حقيقي مستمر. وبكل الأحوال لم تكن تلك الدول لتفكر بدعم الثورة، وكان هدفها تشويهها وتحويلها إلى حرب طائفيةٍ، ولذلك هُمش الجيش الحر ودُعمت الجهاديات والسلفية والإخوان المسلمون.
قال بيان جنيف الأول بمرحلة انتقالية وبحكومة كاملة الصلاحيات. روسيا وأمريكا اتفقتا على ذلك، ثم رفضت روسيا تطبيقه، وفسرته كما تشاء، وبما يجدّد الحياة بأوصال النظام. أمريكا لم تفعل شيئاً حيال ذلك، الحقيقة أن أمريكا لديها أهداف كبرى، ولا تعنيها الثورة السورية ولا إمكانية أن تتحول إلى حرب أهلية بنزوع طائفي، فأمريكا تعطي سورية لروسيا وتنسحب نحو مواجهة الصين في شرقي أسيا وتريد أن تصطف روسيا معها في تلك الحرب الإمبريالية الجديدة. هذا ما لم تفهمه المعارضة "الغبية" وتصرّ إلى هذه اللحظة على مطالبة أمريكا بالتدخل!
روسيا فقط لم تكذب بموقفها من النظام، فهي مؤيدة له في هيئات الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدولي، ومؤخراً دخلت لحمايته مباشرة. بقية الدول كذبوا بموضوع موقفهم من النظام، ولم يترافق ذلك مع أية خطوات لإيقافه عند حده. هنا نقبض على سبب موقفهم الرافض للنظام، فلا خيار لدول العالم وهي تشاهد مأساة السوريين وضعف النظام إلا الإقرار بمقتضى الواقع؛ فالواقع يقول أن من المستحيل أن توافق جهةً معارضة واحدة على بقاء النظام بحالته، إذا ليس منّة من دولة أو منظمة عالمية القول برحيل النظام.
حين دعمت أمريكا فصائل سوريا، لم تدعم الجيش الحر بل فصائل مشكوك أصلاً بقدرتها على قتال النظام أو مواجهة الجماعات الجهادية، ولاحقاً قضت عليها جبهة النصرة بوقتٍ قياسي وبلا معارك تقريباً. السخرية المريرة التي يجب أن يحس بها محبوا أمريكا، فهي حين أرادت تشكيل جيش تابع لها بالكامل، فلم يتجاوز عديده بضع مئات وعتاده أضعف بكثير من فصائل تقاتل على الساحة السورية، وباشتراط يحدد هدفهم في محاربة "داعش" وعدم محاربة النظام!.
إذاً ليست القضية في الرئاسة السورية ولا في النظام كذلك، ومنذ 2012. نعم لقد أصبحت القضية السورية قضية إقليمية ودولية منذ أكثر من عام. التعقيد هنا يكمن في تناقض المصالح بين الدول الداعمة لأطراف سورية سواء النظام أو الفصائل المقاتلة له، وكذلك في غيابِ دورٍ أمريكي داعمٍ للثورة أو لحل المشكلة السورية. أمريكا أرادت أن يتورط حزب الله وإيران والآن روسيا، فهي من أتاح المجال واسعاً لهذا الحلف للإجهاز على الثورة، بل وكافأت إيران باتفاقٍ نووي، ولكنهم فشلوا في إنهاء الثورة فحاربوها بالأصولية والجهادية وأطلق النظام سراح مئات الجهاديين وفتح الحدود للقادمين من العراق بالتحديد، وقبالة ذلك قام بسحق كافة القوى المدنية التي شكلت النواة الأولى لتنسيقات الثورة.
إذاً من الكذب الوقح القول أن القضية في الرئاسة السورية أو في غياب بديل عن النظام أو أن المشكلة داعش والجهادية. هذه محض أكاذيب، فهناك بديل أكيد ويمكن تشكيله فور توفر الفرصة، ثم هناك توافق بين تيارات المعارضة في تموز 2012 وقد أصدرت وثائق في القاهرة بخصوص شكل الحكم وكيفية الانتقال في سورية. إن أمريكا تعلم أن مواجهة الجهادية غير ممكنة ما دام النظام باقٍ، وها قد مر أكثر من عام على بدء الضربات ولم يتحقق شيء يذكر. المفاجأة أن داعش قويّ وكذلك حركة النصرة والجهاديات؟! ثم أن كافة قوى المعارضة أوضحت لأمريكا أنه لا يمكن لسوري معارض أن يحارب الجهاديات لصالح النظام. والحقيقة أن من حارب بقوة كبيرة حركة النظام وداعش وكل الفصائل المضادة للثورة، هي الفصائل المحلية والشعب بقواه الجسدية عبر المظاهرات.
الكلام المتكرر الآن في فيينا وان القضية داخلية كلام عار عن الصحة، فالقضية خارجية بامتياز، وتتطلب تجديداً لبيان جنيف الأصلي، وتحديداً زمنياً بما ينقل سورية من نظامٍ إلى نظام، وبما يمثل كافة السوريين، ولا يُقصي أحدٌ. وتكملة لهذا يجب محاسبة كافة من أولغوا في دماء السوريين ولا سيما من مارس القتل والإيذاء للمدنيين العزل على طرفي الصراع.
انضمت مؤخراً إسرائيل للثرثرة حول مصير النظام ورئيسه، فهي أيضاً لا تريد فراغاً، وتنسق مع روسيا من أجل انتقال سلس وبما يعيد تأهيل النظام. طبعاً الحلم الروسي والإسرائيلي لن يتحقق، فالأرض السورية صارت نهباً لدول إقليمية وعالمية، وجميعها تريد حصصاً لها، بدءاً من الأتراك والفرنسيين والسعودية وسواهم. الإشكال الأكبر يكمن في غياب توافقٍ أمريكي وروسي، ولو وجد ذلك التوافق لحُلّت القضية منذ عام 2012؛ إذاً ليست المشكلة في سوريا بل في الدول الداعمة لأطراف الصراع السوري، ومن أجل إنهاء الثورة وتحويلها إلى مجزرة كاملة ودرساً لكافة شعوب العالم ولا سيما العرب، وأن كل تغيير في الدواخل العربية يجب أن يخضع للمصالح الإمبريالية وإلا فالمجزرة والدمار والجهاديات هي المآل.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".