يشتغل العديد من الثوريين- وعلى مدار الفيسبوك- في حقل المفاجآت. فيكتشفون، كل يوم، أن النظام السوري فاسد. هذه الصفة، واحدة من مترادفات تعريفاتهم الفلسفية للنظام. وسوف أتوقف عندها، هنا، لصلتها بمقالتي هذه، لا أكثر.
ولكي لا أسترسل في النهل من بحر علومهم، في حقل المفاهيم؛ أكتفي بجانب من البراهين التي يقدمونها، لإثبات أن الفساد من خاصيات النظام. وهو الجانب الأكثر استخداما، لصلته الوثيقة بثنائية التبرير و الاتهام. وهي ثنائية مستولدة من نسل ثنائية أكثر عراقة، وترتبط بالمقدس والمدنس، وتشكل العمود الفقري لمذاهب الديانات الإبراهيمية السمحة (أي عددها سمحة مذاهب!)، و بخاصة منها الإسلام؛ و تسمى ثنائية البراء و الولاء. أي التبرؤ من الضد (الشيطان)، وموالاة الحق المطلق.
هذه الثنائية، لا تقبل العكوسية، في نظر جهابذة الثورة. والأسباب موجودة، بين الأيادي، كما جرت العادة. فالثورة أخطاءها مبررة، وليست فردية فحسب. ذلك أنها "شعبية" و"عفوية"، ولا يؤثر مرور الزمن، ولا تكرار الأخطاء في براءة الثورة.
لا أظن بوجود من يجهل اتهام المعارضة للنظام بأنه أخرج من سجونه فئات تشترك في معاداتها للحريات. وأبقى على النشطاء السلميين، ثم جعل من هذا السلوك الجنائي نهجا راسخا للفتك بالمجتمع والدولة. حسن، لن أزعم القدرة على سبر واكتشاف مجاراة المعارضة للنظام، في هذا الميدان الأكثر شراسة. فهو بحاجة لجهود جماعية، متعددة الاختصاصات، وتمتلك الإمكانيات والأدوات والصلاحيات، ويتاح لها البحث، في وسط يتوفر على كل قابليات البحث الحر. وهو ما يحتاج وحده إلى ثورة.
ستركز المقالة، هذه، على سؤال الدعم الذي لقيه سفراء الفن، من المعارضة، لإعطاء الثورة وجها تحرريا، دعكم من دفعها إلى الأمام؟
هل أعمل من الحبة قبة، أو أعطي للفن و للفنانين دورا يستحق لقب السفارة؟
لن أنتظر إجابة مدججة بالإثباتات.. فمن يجهل أن جماهيرية الفنان، في عالمنا العربي كله، يمكنها وحدها أن تجاري جماهيرية رجل الدين.. وإن جهل معظمهم أن مفكرا مثل الطيب تيزيني اكتشف، في زمن الثورة، أن عليه تمثيل دور رجل دين، لكي يحظى بتوقير يكفي لقيامه بحل خلاف بين زوجين، وأين؟ في مدينته حمص!. كما اكتشف، قبل عقود، بأنه مقدر في هذا البلد العربي أو ذاك، ليس بصفته الفكرية، الجامع ولا لعمله الجامعي، بل لكونه من بلد المغني فلان!
ولن يشاغلني ريب، في أن الجميع يوقن بأن الفنان سفير أمين على القضايا الإنسانية، أكثر مما هو حال سفراء السياسة. ومع ذلك، فلست من العدمية إلى درجة الدعوة لرفض التمثيل الدبلوماسي و السياسي عموما للثورة، ولأي تغيير يؤمن له نيل اعتراف المنظومة الدولية. لكنني أعتقد بأن نيل اعتراف شعوب العالم - وبخاصة منها الشعوب الحرة- لا يقل قيمة وجدوى.
ويعيد السؤال طرح نفسه، على المعارضة، بإلحاح، متخذا صيغة اتهام صريح: ماذا فعلتِ، لكي يحق لك اتهام النظام؟ وهل بالفعل يقبل منك السخرية من قيامه بفعل أحمق، مثل إلغاء المسلسلات المدبلجة عن التركية؟.. في الوقت الذي لم تستثمر في الطاقات الموفورة، قبل قيام الثورة. وربما كانت واحدة من إرهاصاتها، علاوة على الطاقات الشابة، التي واكبت الثورة. وحاولت إظهار وجهها الجميل؟
سوف أذكر أمثلة عن الحالتين: في الأولى فنانون مثل المغنية الأوبرالية لبانة قنطار، والفنان سميح شقير، والمغني خاطر ضوا، والممثل النجم فارس الحلو، والسينمائي أسامه محمد، وعشرات الأمثلة من الناشطات عبثا في الثورة، والكثير الكثير من الطاقات المبدعة، في حقول الفنون السبعة، ويعرفها الناس، ويتحدث عنها النشطاء خاصة.
وفي الثانية فنانة راقصة تعبيرية شابة، هي يارا الحاصباني، بنت الشهيد مروان الحاصباني، والتي بدلا من دفع إبداعها نحو النور، اتهمها أحد أقطاب المعارضة، وسجناء الرأي، الذين دافع السوريون الأحرار عن حريته؛ اتهمها بأنها تخرج عن قيم شعبنا، وأخلاق مجتمعنا، في تقديم رقصة تكشف من جسدها مناطق هي ملك للمعارضة!
لإن كان اندلاع الثورة السورية، حدثا يقارب المعجزة؛ فإن العجز- برأيي- تمثل في تحويلها، على يد المعارضة السورية، إلى خادم للنظام!
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".