النساء السوريات بعد الثورة.. شريكات الألم والوطن

النساء السوريات بعد الثورة.. شريكات الألم والوطن
القصص | 08 نوفمبر 2015

ربما كانت النساء السوريات هن الحلقة الأضعف في سلسلة الصراع التي تضيق خناقها على الجميع. النساء اللواتي فقدن الأخ والصديق والأب والابن، اللواتي اعتقل اخوتهن، واللواتي مات أحباؤهن أمام أعينهن، فجمعن الصغار والكبار تحت أجنحتهن واضطررن للفرار بمن تبقى.

الضعف، الانكسار، البكاء، الفقد، صور لطالما نقلتها لنا عدسات الأخبار، وربما أفلت من عدسات كثيرة أن تنقل لنا الوجه الآخر لهؤلاء النساء السوريات، القويات والمكافحات والصابرات.

استسهلت المنظمات في تقاريرها عن حال النساء أن تجرد لنا مشكلاتهن، التي لا تعد ولا تحصى، وأن تقرع دون فائدة أجراسها التي صم العالم عن سماعها.

نساء كن يعانين منذ سنوات من نظام اجتماعي يضعهن في المرتبة الأخيرة في السلم، ويسمح حتى بالتساهل مع قاتلهن بذرائع منها "الشرف"، نساء منعن من العمل، أو من الزواج من رجال أحبوهم، أو من اكمال تعليمهن تحت ذرائع اجتماعية أو اقتصادية، أصبحن اليوم نساء مستقلات ومسؤولات وربما بقدر يحمل من الحقوق لهن بقدر ما يحمل من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهن.

امرأة مسنة أعرفها متمسكة جداً بحجابها، خلعت حجابها لتتمكن من صعود الطائرة بهوية مزورة دون أن تلفت الشبهات لها.

أما جارتي الباريسية فقد التقت بزوجها في تركيا بعد أن تعارفا كمراسلين إعلاميين عبر السكايب، تزوجا دينيا "بكتاب شيخ" ولم يستطيعا تسجيل زواجهما لتعذر طلاقه من زوجته التي تركها في سوريا لأنه كان ملاحقاً منذ بداية الثورة، وهما يعيشان اليوم مع ابنتهما الصغيرة ويعاملان من قبل السلطات الفرنسية على أنهما "متساكنان" أو "متصاحبان".

هذه المرأة اليوم مطالبة من قبل زوجها، الذي يتابع عمله ولا وقت لديه لغير ذلك، مطالبة بإتقان اللغة الفرنسية والتكفل بتتبع جميع المعاملات الرسمبة والأوراق الخاصة بطالبي اللجوء إضافة لعنايتها بالطفلة، في وقت تتوق فيه لإكمال تعليمها ولا تجد الفرصة لذلك!.

أما صديقتي التي حالفها الحظ بالوصول إلى السويد، فقد خانها زوجها في تركيا وتركته لتسافر بعيداً مع ابنتها الصغيرة التي أنقذتها من وسط حريق نشب في منزلها بالمعضمية حين هاجمتها قوات النظام مرتكبة فيها مجزرة تسبب الذعر لها منذ ذلك اليوم.

وكان أن التقت على قارب الموت ذاته برجل فقد زوجته وخاطر بالهروب على متن القارب مع بناته الثلاث فأصبح لديها اليوم عائلة كبيرة، تمنحها سعادة لا توصف، ورغم ذلك فإنها لا تستطيع أن تخبر والدتها بقصص هؤلاء الفتيات أو بأنها تربيهن وتعيش مع "والدهن" دون أن تتمكن إلى اليوم من الحصول على الطلاق من رجل خانها في أحلك ليالي الغربة.

نماذج كثيرة أخرى قابلتها لنساء منهن من تركت البلاد التي عاشت فيها في حالة اقتصادية جيدة لتعيش اليوم ضنك وقسوة الغربة مع زوجها وأطفالها في أوروبا التي تعيش أساساً أزمة إيجاد فرصة عمل.

ونساء أخريات بتن يفتقدن أجواء بلادنا التي كانت تسمح للمحجبة والسافرة على حد سواء بالتعلم والعمل، لتواجه كثيرات منهن اليوم أفراداً في المجتمع الغربي يحكمون عليهن فقط من زيهن، إضافة لاشتراط بعض الدول نزع الحجاب في وسط العمل كشرط أساسي، مما شكل تحدياً لهن ولقناعاتهن ولإثبات قدراتهن.

لكن الأكيد أن الثورة التي خرجت بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية، تفرض اليوم علينا جميعاً اختبار قيمنا وقناعاتنا، وأحكامنا المسبقة تجاه النساء من خلال تعليمهن أو ملابسهن أو... وتفرض علينا إعادة التفكير ملياً هل المرأة السورية التي تتحمل كل ذلك الشقاء معه هي شريك حقيقي للرجل؟.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق