سوريا اليوم.. انشقاقات عابرة لكل الانتماءات تحت مسمى حب البلد!

سوريا اليوم.. انشقاقات عابرة لكل الانتماءات تحت مسمى حب البلد!
القصص | 05 نوفمبر 2015

في سوريا ربما يكون السبب تفصيلاً صغيراً، أو ربما تجده تافهاً، لكنه في النهاية يسبب خلافاً بين سوريين لم يكونا يتصوران أنهما سيختلفان، ربما يختلف "رفيقان" حول أيهما أكثر تأثيراً "ماوتسي تونغ" أم "لينين" وقد يؤدي الخلاف إلى قطيعة مؤقتة، أو ينشب خلاف بين رجلي دين حول تفسير الطبري، وربما يصل الأمر بالخلاف حول أفضلية قلي البيض بين أخوين "بالسمن" أو "الزيت" وحول الخيار الاستراتيجي في دعم برشلونة أو ريال مدريد، وغالباً ما ينتهي الخلاف بالسباب والشتائم!.

أما التضامن وقت الأزمات فيأتي تحت شعار "أنا وأخي ع ابن عمي وأنا وابن عمي عالغريب"، ويشكل هذا المثل السائد اليوم أكثر الأمثال حقارة وخسة، فهو لا يأتي على ذكر الحق ولا المنطق ولا يقف مع المظلوم في وجه الظالم!.

بعد الثورة السورية والصراع الدامي اختفت كل أسباب ومظاهر الانقسام والاختلاف وظهر لأول مرة في تاريخ الصراعات الداخلية هذا النوع من الانقسام، انقسام عابر للعائلة والطائفة والمنطقة والمحافظة والقومية والحدود وحتى خارج الإيديولوجيا أحياناً، وهو دوماً تحت عنوان واحد "مؤيد للنظام أو ضده".. "مؤيد للثورة أو ضدها"!.

صراع أدى إلى مشاكل اجتماعية، وتفكك ضمن العائلة الواحدة وحدثت نتيجة له حالات طلاق عديدة وحالات انشقاق في بعض الأحزاب بشكل فردي أو بشكل جماعات. التخوين والتهديد والإقصاء يمارس بين الأخوة والأعمام والأخوال والأبناء والآباء كل حسب موقفه وموقعه.

وكما أن لوسائل التواصل الاجتماعي الأثر الأكبر في أحداث ما يجري في المنطقة، كان لها دور كبير ببقاء هذا الشرخ، فالكل وأي كان توجهه وفي أي بيئة كانت، تجده ينتمي إلى عالمه وأصدقائه الذين يغنونه ويعوضونه فقدانه للوسط الذي لم يتقبله، فكان البديل أن انشق!. 

فمن كان في المهجر يرى من يقفون معه ويخففون حنينه لأرض مشى وبكى على أرصفتها وأحب وعشق في مقاهيها، لا يعوضون بلداً ولا قطيعة أهل، لكنهم بشكل ما بيئته الحاضنة التي تخفف عنه، والحال ذاته لمن يسكن في الداخل، فهو يجد دوماً من الطرف المقابل من يشاركه آلامه ومخاوفه ويقدم له العون دون مقابل فقط لأنه يتفق معه "سياسياً".

أصبح التقارب مع أناس خلف البحار والبعد مع أخ خلف هذا الجدار!

حدث أن نشر أحدهم من إحدى المحافظات يطلب مساعدة في تأمين قطعة غير متوفرة في محافظته وأرسلها له صديق أعرفه لم يكن يعرف حتى اسمه الكامل إلا حين أرسلها بالشحن. علماً أن هذا الصديق قطعت علاقته مع إخوته بسبب موقفه السياسي حين تم استهداف الساحل بصواريخ، ثمة أيضاً من اتصل ليطمئن على حالي رغم أنه من الأشخاص الذين أختلف معهم في كل شيء وأتفق معهم فقط في كره هذا النظام!.

قال لي ضاحكاً: عند سماعي للخبر وقبل الاتصال بك صليت ركعتين لأجلك يا ملحد!.

هنالك من لازال يراهن على قدرة السوريين على التوحد مجدداً، بعد زوال هذا النظام، وأنا منهم وقد يكون في طرحنا هذا، الكثير من الدقة، وقد لا يكون تفاؤلاً صرفاً.

الكل يدعي أن خوفه على البلاد هو محركه لهذا الخلاف وحدة المواقف، فهل يشكل ذلك مؤشراً إيجابياً لبناء هذه البلاد فيما بعد بالانطلاق أساساً من هذا الحب؟.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق