الشام تموت و"إعلان دمشق" يتصارع على الوهم

الشام تموت و"إعلان دمشق" يتصارع على الوهم
القصص | 04 نوفمبر 2015

يجتمع ممثلو 17 دولة، بما فيها إيران، إضافة إلى منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في فيينا للنقاش حول مصير سوريا والسوريين خلال جولات متعاقبة ومتواصلة ومتأنيّة غير متعجّلة. حيث يرشح عنها القليل المُراد ويُخفى الأعظم. وكما كان متوقعاً، فقد تم استبعاد السوريين معارضات ونظام عن ساحة التفاوض على مصيرهم في الأمد المتوسط لأنهم مكتوب عليهم أن يستمروا في الموت صامتين في الأمد القصير. خلال الفالس العالمي في فيينا، وقريباً من دور الأوبرا وصالات الموسيقا الراقية، وليس بعيداً عن نصب تخليد ضحايا النازية من اليهود، يستمر التدمير القادم من كل حدب وصوب على سوريا وعلى السوريين.

تتابع آلة القتل عملها ويترسّخ تآخي الموت مع الأرض السورية ومع الانسان السوري. في حين يقوم ملايينٌ من السوريين والسوريات بالخوض في عباب البحار واقتحام الأسلاك الشائكة على الحدود في البراري بحثاً عن مأوى آمن يقيهم من قذائف الموت المنهمرة على رؤوسهم من سماء الغضب السلطوي والروسي والداعشي. وتتعاظم نتائج التفسّخ الاجتماعي والوطني ويتفاقم الميل للانغلاق الطائفي والاثني، وتحاول فصائل متعددة فرض "إماراتها" الدينية أو الأثنية على مجمل ساكني مناطقها، ويتنازع الندم والخيبة مشاعر الكثيرين ممن آمنوا بالتغيير نحو التحرر من استبداد سياسي وديني واقتصادي، ويتطرف بعضٌ آخر في توجهاته الإقصائية والعنفية، ويتواطئ آخرون مع لغة الموت السلطوية غارسين رؤوسهم في رمال المستنقعات النتنة أخلاقياً. 

في ظلّ هذا كلّه، يبحث من زال حياً من السوريين، أو من في حكمهم، عن موقف سياسي واعٍ يُعبّر عن جزء ولو ضئيل ومختصر مما انتظروه طوال سنوات خمس، فلا يجدون إلا العنتريات الواهية والنزاعات التافهة والتصريحات غير المسؤولة والاهتمامات بثانويات الأمور. و"تتفلسف" بعض "الرموز" مائلة إلى تبنّي لغة النظام بشكل معاكس. فيصرّح أحدهم، لا فضّ فوه، بأنه إن خُيّر بين الشرور السلطوية والداعشية، فسيختار "أهونها" لمن مثله، ويرضى بداعش.

بموازاة انعدام المسؤولية المستشري والانحدار بطريقة "السقوط الحر" للأداء السياسي، يُتحفنا جزءٌ من المعارضة السورية التي كان لها تاريخ نضالي ومعرفة نسبية مكتسبة بالعمل السياسي، بإطلاق صراعات جانبية حول "أحقية" الحديث أو عدمه، باسم التجمع السياسي المعنون : "إعلان دمشق للتحوّل الديمقراطي".

وبعيداً عن التفاصيل والمماحكات والغمزات واللمزات، فإن ما يتبادله المتصارعون من توصيفات ومن تخوينات ومن تشكيكات يكاد يُنسينا التاريخ النضالي لكل منهم. 

فمن جهة، تستمر القيادة التاريخية، والتي تكاد تصير قيادة رمزية بحكم السن، برفض إحداث أية تعديلات أو إصلاحات أو تجديدات هيكلية، متشبثة بالمشروعية الرمزية التي لا خلاف عليها من قبل كل من عرف تاريخ شخوصها ونضالاتهم. في حين يسعى "شباب" المجموعة السياسية غير المتجانسة إلى إطلاق دينامية مختلفة تحمل رؤىً تجديدية وبعيدة عن الشخصنة. 

إنها مبارزة سياسية تحصل في أفضل العائلات، حتى أوروبياً، ولكن في وقتها وليس خارج الوقت والمنطق. مقبولٌ جداً أن تسعى القيادة التقليدية إلى التشبث برؤاها مقابل سعي قيادات أخرى خرجت عن طوع "الأمير" أو "الخليفة" أو الزعيم الأكبر، إلى محاولة التجديد وضخ دماء جديدة في العمل كما في الفكر. لا يوجد مخطئون في هذا "الكباش" فالكل محقّون. لكن التوقيت يضع الجميع أمام مسؤولية وطنية بل وأخلاقية.

لا يمكن أن يعذر السوريون، الميت منهم والحي، هؤلاء الذين يتصارعون على الوهم. لا يمكن أن يغفل السوريون من أهل "الإعلان" أو من غيرهم عن فداحة الخطب السوري العام وضآلة الموقف الجزئي الخاص. إن الأجيال المقبلة لن تسامحنا جميعاً لفشلنا في اجتراع الحلول وتقديم البدائل، ولكنها ستبصق بحزم على كل من جانب المقتلة السورية بفتح نوافذ صراعية تزيد الموت والخيبة والاحباط والتشاؤم. 

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق