عن الطيران الممانع وسجون الهواء الطلق

عن الطيران الممانع وسجون الهواء الطلق
القصص | 03 نوفمبر 2015

فقط من أجل قضية فلسطين والعرب وتعزيز صمود سوريا في وجه الصهيونية والامبريالية خرج النظام السوري الممانع للحرب، وقتل ما يقرب من نصف مليون صهيوني سوري، منهم الآلاف بطريقة الموت صبراً، أي الموت بسبب الجوع في السجون، إحياء لطريقة قراقوشية قديمة. وللغاية ذاتها، وأيضاً لقطع الطريق على الوهابية والتخلف الخليجي من غزو سوريا التطوير والتحديث، اضطر النظام الممانع إلى تدمير نصف البلد ورهن نصفها الآخر على شكل ديون خارجية لدول لا يهمها في النهار سوى محاربة الصهيونية والامبريالية وكل الشياطين الكبيرة، ولا يهمها في الليل سوى شراء الأسلحة من هؤلاء الشياطين أنفسهم وعقد الصفقات معهم.

الحق أن النظام الممانع لم يخرج للحرب ضد الصهاينة السوريين بحثاً عن ديمومة لنفسه فهذا آخر همه ولم تكن السلطة في نظر الأسد ومحبيه الكثر سوى حمل ثقيل من المسؤولية. خرج النظام للحرب ضد الصهاينة السوريين من أجل مواصلة الصراع في خدمة قضية الأمة العربية. وقد أبدى حرصاً فريداً على قضية الأمة هذه، حتى أنه انشغل في معمعان مواجهة الصهاينة السوريين، عن الرد على هجمات الصهاينة الإسرائيليين المتكررة على قواته ومخازن أسلحته، فالعدو الداخلي أشد وأدهى. حين تظاهر الناس قائلين إنهم يريدون إسقاط النظام، انفضحت المؤامرة واكتشف النظام أن هناك صهاينة سوريين مندسين بين ظهراني السوريين الممانعين ابناً عن أب. وبالفعل، بعد أن بدأت عملية الكشف والرصد والتعقب والتعامل مع الأهداف الداخلية  المعادية، بدأت سوريا تنظف وتتطهر، حيث راح الصهاينة الذين كانوا يشغلون مواقع في النظام على غفلة منه ينشقون عنه، ثم بدأ بقية الصهاينة السوريين يهاجرون بشتى السبل. وهكذا عاشت الصهيونية السورية أسوأ محنة لها في تاريخها المشبوه، من نجا من الموت بأعقاب البنادق أو فوهاتها، انشق أو فر، لتقترب سوريا أكثر فأكثر من ممانعتها ويستعيد السوريون نظافتهم وطهرهم المنزه عن شهوات السلطة ورغبات التغيير.

وفي الوقت الذي ينصرف فيه النظام الممانع وجمهوره النظيف المبستر من أي لوثة معارضة، إلى محاربة الصهيونية والامبريالية وكشف مؤامراتها وتفويت الفرصة تلو الأخرى عليها، تنبري جماعة أخرى، يروق للبعض تسميتهم بالثوار، لخدمة قضية أخرى اسمها قضية الأمة الإسلامية. جماعة "الثوار" ترى في جماعة "الممانعة" الأخرى تشويشاً وعقبة لا بد من إزاحتها، والعكس بالعكس. يخرج أنصار الأمة الإسلامية ضد الكفر الذي طغى وتفشى، ويرون في جماعة الأمة العربية نموذجاً للكفر. تماماً كما يرى جماعة الأمة العربية أن جماعة الأمة الإسلامية نموذجاً للصهيونية المتنكرة.

ولئن كانت جماعة الأمة الإسلامية تزهد في حربها هذه بكل الألقاب العصرية مكتفية باللقب الأمثل والطموح الأعلى الذي هو لقب "المجاهدين"، فإن أنصارهم الحديثين يسمونهم اسماً حديثاً أيضاً إذ يطلقون عليهم اسم "ثوار".

ورغم جهادهم الخالص في سبيل الله، فإن الله، لحكمة من لدنه، لم يوفر لهؤلاء المجاهدين ما وفره لأعدائهم الممانعين من طائرات شتى يقصفون بها ما يروق لهم من أسواق شعبية ومساكن وأفران وحدائق وما إلى ذلك. غير أن الله سبحانة وتعالى منّ عليهم بالحديد وعلم الحدادة، يصنعون منه الأقفاص الجميلة التي هي من الضخامة والمتانة بحيث يمكنها أن تستوعب بضعة أشخاص يضعون فيها من يحتجزونهم من "الكفار"، فيما يمكن أن نسميه "سجون الهواء الطلق"، فالسجن المتحرك يخفف من وطأة السجن على نفس السجين، ويجعله على تماس بصري و"هوائي" مع المارة من "غير المغضوب عليهم" وغير "الضالين" بما يشكل لهم عبرة تقيهم غواية البعد عن "الصراط المستقيم". كما يمكن لسجون الهواء الطلق أن تقدم فائدة أخرى، وهي في الواقع الفائدة الأهم والتي كانت وراء هذا الابتكار، وهي إعاقة عمل طيران الممانعين من تنفيذ غاراته ضد الصهاينة المتنكرين، ذلك أن توزيع أقفاص حديدية تحوي على أنصار الممانعين من الكفار، قد تجعل طيران الممانعة مغلول اليد أو الجناح.

لكن لا شيء يضمن أن تتغلب النزعة الممانعة عند الطيران الممانع فيضحي "بسكان الأقفاص" كي يقتل المزيد من الصهاينة المتنكرين. حينها يكون هذا الطيران قد حقق ما عجز عنه الجميع وهو مزج الممانعين والصهاينة المتنكرين في عجين سوري واحد.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق