لم يكن يخطر في بال معتز، أن ليلة عرسه، ستتحوّل إلى ذكرى مؤلمة، حيث عاش ساعاتها، في مقر الحسبة التابع لتنظيم "داعش"، في مدينة منبج بريف حلب.
من سوء حظ الشاب، أن جاره سعودي، وقاضٍ في التنظيم، فلم يسمح للعروسين، بعيش ليلةٍ طبيعية.
يقول جار معتز الآخر: "ونحن في أوج لحظات الفرح، داهمتنا دورية للحسبة بدعوى إزعاج الجيران بزمامير السيارات، وقيامنا بمخالفات شرعية بالاستماع للأغاني".
ويتابع واصفاً تلك اللحظات: "مرت الساعات بالحسبة سنيناً علينا فكيف على معتز؟! ولم يطلق سراحه إلا بعد شفاعات، وما جعل مسؤول الحسبة يوافق على إخراجه، حفظ معتز لأجزاء من القرآن، لكن عودته لعروسه تمت بهدوء بعد الإفراج عنه".
العرس واجب اجتماعي لا محطة فرح
الاعتقالات المتكررة، للعرسان في مناطق سيطرة داعش، دفعت الأهالي لاقتصار العرس على الواجب الاجتماعي، حيث لقاء الأقارب والأحباب والأصدقاء، دون أيَّ مظهر من مظاهر الفرح المعروفة.
هكذا، لا مكان في "أرض الخلافة"، للحفلات والأغاني والأهازيج الشعبية، حتى الموالد الدينية، منعت في الأعراس بمقدار منع الأغاني الطربية!
يقول المربي محمد علي من مدينة منبج بريف حلب: "منع التنظيم أيّ مظهر من مظاهر الفرح المعروفة سابقاً، من أغان وأهازيج وأناشيد، ولولا اجتماع الناس على طعام العرس لما شعرت بوجوده".
وأدى هذا المنع، لإغلاق صالات الأفراح، بعد أن أصبحت خاوية، فالتنظيم لا يريد سماع أي صوت غير صوت الرصاص، على ما يبدو.
ولم تكن حالة معتز، هي الأولى من نوعها، حيث تم اعتقال أحمد من ريف منبج الشرقي شهوراً، لأنه رفع مكبرات الصوت في حفلة عرسه الصغيرة، وحدثت مشكلة مع جاره المنضوي في التنظيم، ومثله كثير من الشباب الذين احتضنتهم معتقلات "داعش"، عوضاً عن أحضان زوجاتهم.
عادات ومهن مهجورة
دفنت قوانين تنظيم الدولة تلك وممارساته، عدداً من العادات والأعراف الاجتماعية في الأعراس، إذ غدا العرس مقتصراً على ساعات قليلة فقط، بعد أن كان أياماً عدة، ولا سيما في الريف الشرقي لحلب، الذي تتطابق عاداته مع الرقة وريفها.
ولم تعد الزفّة طقساً يُمَارس، فإطلاق العنان لمزامير السيارات والأهازيج يعني ولوج السجن!
كما أن يوم (الحنة) أو التعليلة، اختفى، وأصبحت العروس كثيراً ما تغطي ثوب عرسها الأبيض، بقماشة سوداء، منذ لحظة خروجها من بيت أهلها، حتى تصل بيت زوجها، خوفاً من عناصر الحسبة.
"حكم التنظيم الشارع بالإرهاب، فلا يمر شهر دون عملية صلب وإعدام، مما جعل الناس تبتعد قدر الإمكان عن أي تصرف قد يضايق التنظيم" يقول المحامي علي، من ريف حلب الشمالي، ويضيف:" قوانين التنظيم تطبق بمزاجية، مما دفع الناس لتجنب الكثير من الأشياء المسموحة، خوفاً من الوقوع تحت رحمة مزاجية عنصر ما".
ولم تسلم بعض القرى البعيدة في ريفي حلب والرقة، من قوانين التنظيم، وهي التي كانت إلى حد ما بعيدة، عن مركز الثورة والنشاط الثوري، وذلك نتيجة وجود عناصر من التنظيم من هذه القرى، وهم يقومون بدور السلطة التنفيذية.
قطع الأرزاق
إجراءات التنظيم وقوانينه، أدت لقطع أرزاق المطربين والمنشدين، وامتدت لتضر بالعاملين في صالات الأفراح، ومحال تأجير الكراسي، وأجهزة الصوت، فضلاً عن محال أشرطة الكاسيت، وعمال الحلاقة سواء أكانوا رجالاً أو نساء.
أحد المنشدين الدينيين، حوّل مكتبه في السبع بحرات بمدينة منبج، إلى بقالية، وأجّره لاحقاً، ثم سافر خارج سوريا، بسبب سلوكيات التنظيم.
ولم يكن ذاك المنشد، هو الحالة الأولى، حيث هجر المغنون مناطق سيطرة التنظيم في سوريا، وبحثوا عن مهن أخرى، كما تحولت الكثير من صالات الأفراح، لمستودعات بضائع.
التغيير يضرب صالونات الحلاقة
من خطوات الاستعداد لحفلة الزواج في سوريا، زيارة صالونات الحلاقة والتجميل، الرجالية والنسائية، زيارة لم تنجُ أيضاً من تدخلات تنظيم داعش، فأصبح دخول الرجال لمحل الحلاق قبل العرس، محفوف بالمخاطر، بينما بقيت صالونات النساء، أقل خطورة.
يقول الحلاق محمود م من ريف حلب:" التعليمات صريحة وواضحة، فلا نجرؤ حلاقة أو تخفيف لحية أي شخص ولو كان عريساً، ولا نستطيع الاقتراب إلا من شعر الرأس، ودفع ذلك كثيراً من الزملاء للهجرة إلى تركيا".
ماذا عن عقود الزواج؟
من الناحية الدينية، تبرم عقود الزواج (كتب الكتاب)، في مناطق سيطرة داعش، بواسطة شيخ من المعارف والأصدقاء غالباً، ويفتح داعش المجال لتوثيقه، في محاكمه، فيما تبدو خطوة ترسيم الزواج بالمحاكم السورية، حبلى بالمصاعب للسوريين المقيمين بمناطق التنظيم.
يقول الجامعي عبدالله: "عقود الزواج معظمها تتم بهذه الطريقة، فلا أحد يجرؤ على تثبيت زواجه في المحاكم الرسمية التابعة للنظام، لأمرين، الأول يتعلق بالخوف من التنظيم، والثاني يتعلق بالخوف من النظام، حيث يحتاج تثبيته بالمحاكم الرسمية لموافقة شعبة التجنيد، فيُخشى سحب الشاب للتجنيد، أو خدمة الاحتياط".
وتبقى الأمور معلقة دون ثبوتيات معترف بها إلا داخل داعش، على أمل إيجاد حلٍ في سوريا بالمجمل، وفي حال حدوث مشكلة، يستدعي التنظيم الشهود، ويمكن أن يتم تثبيت الزواج في المحاكم الحكومية التابعة للنظام، في حال اضطر أحد الزوجين للسفر، أو لم الشمل، ويتطلب ذلك دفع مبالغ مالية كبيرة للسماسرة، إذ تبرم دون حضور الزوجين.
مساحة من الحياة
مع كل هذا، لم تمنع إجراءات التنظيم الناس، من عيش لحظات ولو بسيطة من الفرح في منازلهم، فما زال المواطنون يستمعون للأغاني والأناشيد والقدود، ولو بطرق مخفية، مما يعني فشل التنظيم بإقناع جميع السوريين في مناطق سيطرته، بخطابه، ولا سيما أنه يتتبع سياسة الإكراه.
وسرت في منبج شائعة، عن نيّة التنظيم إزالة كل الصحون اللاقطة للبث الفضائي، من أسطح المنازل، ما يعني التمهيد لفرمانات جديدة على ما يبدو!