من الممانعة إلى الأسرلة

من الممانعة إلى الأسرلة
القصص | 19 أكتوبر 2015

مقالات الرأي | يندر وجود سوريٌ واحد لم يسمع من ممثلي النظام السوري، ولم يستخدم العبارة ذاتها ساخراً من تصريحاتهم إنهم سيردون في الوقت والمكان المناسبين على الاعتداءات الإسرائيلية. الطيران الإسرائيلي يخترق الأجواء السورية يومياً، ومنذ أكثرِ من عَقْد، وطال قصفه عدداً كبيراً من المراكز العسكرية في محيط دمشق، وقد قتلَ الخلية الإيرانية التي حاولت التمركز في المناطق المحاذية للكيان الصهيوني، وكانت رسالته واضحة لإيران، بأنه لا يسمح لها بأي تواجد على حدوده. وفي أعوام ما بعد 2011 قصفت إسرائيل شحناً عسكرية كانت متجهة إلى لبنان لصالح حزب الله. النظام لم يرد أبداً وكذلك حزب الله وإيران. اللذين لطالما قصفانا بمواقفهم الممانعة والمقاومة.

تَعجَّبَ أغلب السوريون حينما صرّح رامي مخلوف في عام 2011 أن استقرار إسرائيل من استقرار النظام، أو أن النظام ضرورة لإسرائيل، وهو حامٍ لحدودها؛ وقوله يتضمن كذلك أنّه محمي من إسرائيل، وبالتالي النظام السوري لن يتعرض لضغوطٍ دولية كي يرحل. إسرائيل إذاً، ترفض تغيير النظام كما رفضت تغيير نظام مبارك كذلك، وها هي تطبّع مع نظام السيسي. هذا الموقف تَوضّح وتجلّى في السنوات الخمس المنصرمة، فالنظام ورغم كل الضغوط الدولية، والتي كنا نشعر أنّها ستأتي به أرضاً، فإذا به يخرج منها ويستمر، وليس أدلّ على ذلك من صفقة تسليم الكيماوي مع أمريكا عام 2013. وحالياً قوات التحالف الدولية بقيادة أمريكا وفيها دولاً عربية وازنة كالسعودية مثلاً تحارب داعش وتتركه وشأنه، وقوات الروس والتي أصبحت قوىً احتلالية تدافع عن مناطق نفوذه وتحاول بكثافة نيرانية إبعاد كل تهديدٍ لها.

ما أثار الاستغراب مؤخراً التنسيق الأمني العسكري بين الروس والإسرائيليين وانطلاقاً من مطار حميميم، أي من سوريا. التنسيق هذا يعارض مبدأ الممانعة وغياب اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل! وبالتالي وجوده يفضح أكاذيب النظام عن الممانعة والعداء لإسرائيل. ليس النظام من صمتَ، بل وحزب الله وإيران، وبالتالي ليبدو كل أيديولوجيا الممانعة والمقاومة محض أكاذيبٍ لتعمية عقول السوريين وتأبيد النظام بحجة استعادة الجولان وفلسطين وجنوب لبنان وغيرها، ومن عقود عديدة.

التنسيق الأمني والعسكري يتضمن حكماً إبعاد إيران وحزب الله عن الحدود الإسرائيلية، وبالتالي مجيء الروس إلى سوريا يشكل ضمانة لحماية الحدود الإسرائيلية كما كانت من عام 1973، والتي فاقت في صمتها الجليدي الحدود الأردنية والمصرية، رغم أن الدولتين لديهما اتفاقيات سلام مع إسرائيل.

الاحتلال الروسي لسوريا يدعمه أن النظام يسيطر على أقل من 20% من الأراضي السورية، وهو يضرب في كل سوريا، عدا الحماية الدولية له منذ 2011، وهو بالوقت عينه يستهدف حماية أمن إسرائيل وأمن هذه ال 20 بالمئة بشكل رئيسي. نتنياهو حصل على الوعد بأمن دولته الاستعمارية، وعاد مبتسماً باشّاً من روسيا بخصوص التنسيق بين الدولتين، وبالتالي ومهما تراجع النظام بل وحتى ولو سقط، فإن الروس يشكلون حماية لهذا الكيان.

الممانعون الأغبياء، رحّبوا بالاحتلال  الروسي، وصمتوا بكل خساسةٍ إزاء التنسيق الأمني من الأراضي السورية مع إسرائيل. فالتنسيق تعبير عن إلغاءٍ لمفاهيم السيادة الوطنية وتعزيزٍ لمقولة أن سوريا أصبحت محتلة بالكامل، وأن إسرائيل تعدّت الحدود وأصبحت بمعنى ما تفرض سيطرة على كامل السماء السورية، وتنسّق في الشؤون الأمنية وبضمانة الروس؟!

أخطأت المعارضة حينما لم تعلن إسرائيل دولة محتلةً لأرضٍ عربية وللجولان، فالنظام صرّح عبر رامي مخلوف أنّه حامٍ للحدود، وبالتالي ألغى كل مفاهيم الممانعة والمقاومة وطبّق السلام وإن بدون معاهدة سلام بين الدولتين، وأخطأت حينما لم تعلن أن النظام فرّط بالوطنية وتبنت هذه القضية. الجدال غير الذكي بين أوساط المعارضة يتضمن الصمت إزاء إسرائيل، بل وتكرر الصمت حينما زار كمال اللبواني إسرائيل. ولا يشكل وجود بعض الأصوات المنددة بتلك الزيارة، والتي تقول أن إسرائيل عدوّة لسوريا وللشعوب العربية، ثقلاً نوعياً  في السياسة. الموقف السياسي الوطني كان يقتضي رفضاً لهذا الزيارة ولأية محادثات فيها، واعتبار اللبواني غبياً في السياسة ومفرطاً في الأرض السورية ولا يمثل إلا ذاته، وكان يجب إقصائه عن أي تمثيل سياسي سوري معارض.

الآن إسرائيل وروسيا تنسّقان لحماية النظام من السقوط، ويعملان سوية لمواجهة التيارات المقاتلة للنظام، والأبعد عن داعش، والأقرب للوطنية. وربما في مرحلة لاحقة سيواجهان الجماعات الجهادية، ولكن بعدما تنتهيان من خطر الجماعات الوطنية. إسرائيل وروسيا تنسّقان لضرب أي تغيير محتمل أو تغيير في النظام لا يضمن حدوداً آمنة مع إسرائيل، أو يهدد المصالح الروسية في سوريا.

التنسيق الروسي الإسرائيلي يشمل موافقة النظام بالضّرورة، فهو لم يعد مستقلاً بقراراته وبات خاضعاً للمشيئة الروسية، فهي تحميه حالياً. إن صمتَ إيران يُظهر أكاذيب دعمها للمقاومة ولنظام الممانعة، والنظام يريد ولتحقيق مصالح هذا التنسيق ربما إبعاد الدور الإيراني الذي تكرّس في السنوات السابقة داعماً للنظام ولكنّه فشل في مهمته تلك.

إذاً النظام  وحلفه الفاشل ينتقلان وبعد التدخل الروسي وانحسار الدور الإيراني من الممانعة إلى الأسرلة، أي التنسيق مع إسرائيل وبواسطة الروس وقمع الشعب السوري، وربما لمنع إخراج إيران وحزب الله من سوريا بشكل كامل.

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق