افترشت سلمى وزوجها وأطفالها، أحد زوايا ساحة بصمنة في مدينة إزمير التركية، جاعلين منها، بيتاً بلا سقف!.
"منذ شهر، ونحن هنا، خرجنا من دمشق إلى حماة لتوديع أهلنا، فأمسك بنا جيش النظام السوري، اعتقلوا زوجي، واعترف بأنه ذاهب إلى تركيا"، تقول سلمى لروزنة، مؤكدة، أنها اضطرت لدفع 100 ألف ليرة سورية، مقابل الإفراج عن زوجها.
رحلة العائلة استمرت من سوريا نحو تركيا، وكانت ضحية لمهرب، توضح سلمى: "من خلال حديثه المريح وتنبيهنا من خطر داعش على حد قوله، وثقنا به، وقمنا بإعطائه كامل المال، 420 ألف ليرة، إلا أنه لاذ بالفرار ولم يعد بإمكاننا متابعة الرحلة، أو العودة إلى سوريا بعد أن قطعنا تلك المسافة".
ضحايا المهربين في الخارج
قطعت سلمى وعائلتها، رحلة طويلة وصعبة جداً، حتى وصلت أخيراً لإزمير غربي تركيا، بيد أنها، لم تكن الأسرة السورية الوحيدة، التي خاضت تلك المخاطر.
عائلة أبو مالك، وصلت إلى تركيا منذ شهر، بحثت كثيراً عن مهرب مضمون، وأخيراً اتفقوا مع أحدهم.
يشرح أبو مالك ما جرى معه: "كنا طُعماً سهلاً بالنسبة له، لم نسأل ولم نطلب ضمانات، وثقنا بكلامه وأعطيناه 4 آلاف دولار لم يكن بحوزتنا غيرها. اليوم اختفى وأصبح هاتفه خارج التغطية، رغم تأكيده لنا بأنه سيرجع المبلغ".
ومع إدراك الأب أن المهرب سرق ماله، لا زال يتصل به عشرات المرات يومياً، آملاً في "صحوة ضميرٍ" للأخير، تعيد له المبلغ أو جزءً منه.
طمع المهربين بالمال
المئات من النساء والشباب والأطفال السوريين، يتجمعون في بهو مسجد صغير، قرب ساحة "بصمنة" بمدينة إزمير، ينتظرون اتصالاً قد يأتيهم في أي لحظة من أحد سماسرة التهريب، ليحدد لهم توقيت انطلاق الرحلة الموعودة على متن "بلم"، أو قارب خشبي، يأخذهم إلى إحدى الجزر اليونانية.
يخضع أولئك، لسلطة السمسار، الذي يتقاضى مبلغ ألف ومئتي دولار عن كل راكب بالقوارب المطاطية، بينما يصل السعر عبر المراكب السياحية، إلى 2500 يورو، وأغلب السماسرة الذين امتهنوا التهريب حديثاً، من السوريين.
وبحسب أحد السماسرة يبلغ طول "البلم" 8 أمتار و60 سم، وحمولته 41 راكباً، وتستغرق الرحلة من ساعة إلى 4 ساعات أو أكثر، إذا تاه السائق عن الطريق المؤدي عبر بحر ايجة إلى الشواطئ اليونانية.
ويقول السمسار لروزنة: "لا أغامر بحياة ركابي، أتأكد من سلامة المحرك وجهوزية البلم، وأرفض أن يتجاوز العدد أربعين مسافراً"، مضيفاً: "بعض المهربين والسماسرة يضعون خمسين أو ستين شخصاً في كل مركب طمعاً بالمال، وهو ما يشكل خطورة على حياتهم ويعرضهم للغرق".
ويعطي السمسار السوري للمهرب التركي مبلغ ألف دولار، بينما يحتفظ لنفسه بمبلغ 100 دولار على الشخص، و50 دولاراً تعود لمكتب التأمين، معظم المهربين الأساسيين هم من الجنسية التركية ويتحكمون بالسوق. وأغلب المهاجرين من جنسيات سورية وعراقية.
مكاتب التأمين والوساطة
العديد من الأسر والمسافرين تعرضوا لعمليات احتيال، إما من المهربين أو السماسرة، أومكاتب الوساطة، التي بات يلجأ إليها كل من يسافر بطريقة غير شرعية.
فيطلب المهرب وضع المال المتفق عليه بمكتب تأمين، ويعطي رقماً سرياً أو "شيفرة" يرسلها الشخص بعد وصوله لليونان، إلى المهرب، ليقوم باستلام المبلغ.
شاهر يعمل في أحد مكاتب التأمين، يشرح آلية العمل: "بعد الاتفاق مع المهرب يوضع المبلغ عند شركة وساطة كطرف ثالث في الصفقة، وهذا هو العرف السائد في إزمير، يحصل المكتب لقاء ذلك على عمولة تبلغ خمسين دولاراً عن كل راكب".
وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن أكثر من 500 ألف سلكوا طرقاً بحرية غير شرعية، للوصول إلى أوروبا هذا العام وحده. ولقي نحو ثلاثة آلاف حتفهم، حيث وصل 383 ألفاً إلى اليونان و129 ألفاً إلى ايطاليا.
وبحسب المفوضية، فإن 54% من هؤلاء اللاجئين سوريون، و13 % أفغان.
وتؤكد السلطات التركية أنها أنقذت، أكثر من 42 ألف مهاجر من الغرق قبالة شواطئها، منذ مطلع هذا العام.
سترة التشبث بالحياة!
معظم الذين ينوون القيام بالرحلة البحرية، يقولون إنهم يدركون المخاطر، ولكنهم لن يتراجعوا، ففي أوربا، حياة أفضل بانتظارهم، حسب تعبيرهم.
"سترة النجاة" باتت الوسيلة الوحيدة للتشبث بالحياة، عندما ينقلب القارب في عرض البحر، ويبلغ سعرها حوالي سبعين ليرة تركية- أي ما يعادل 25 دولاراً- للأصلية، أما السترة ذات الجودة المنخفضة تباع بنصف القيمة. ويباع الإطار المطاطي بأسعار متفاوتة، تبدأ من عشرين ليرة وتنتهي عند الـخمسين ليرة تركية (17 دولاراً تقريباً).
وعلى الرغم من أن اللاجئين يعلمون بأن عبور البحر بهذه الطريقة، محفوف بالمخاطر، ويمكن أن يكون مُهلكاً، إلا أن العيش لسنوات مُفجعة في الحرب الدائرة، وما تحمله من أضرار نفسية وجسدية، لم تترك للكثيرين سوى خيار القيام بهذه الرحلة. كما أخبروا روزنة.