الاحتلال الروسي لسوريا والحل السياسي

الاحتلال الروسي لسوريا والحل السياسي
القصص | 02 أكتوبر 2015

مقالات الرأي | أصبح التدخل الروسي مؤخراً احتلالاً روسياً مباشراً. ففي سوريا الآن عشرات الطائرات وتنطلق من عدة مطارات وتتوزع في أكثر من مدينة وتضرب في كامل سوريا. هذا الاحتلال فرض نفسه بعد أن فشل التدخل الإيراني لخمس سنوات متتالية وكذلك بعد فشل أداته حزب الله والميليشيات الشبيهة به. النظام أٌقر بالفشل عبر مقولة أنه يفكر فقط بسوريا المفيدة. فسوريا خرجت عن سيطرته ويفتقد إلى الكادر البشري وطبعاً عسكرياً أخفق بشكل كبير بدءاً من الشهر الرابع في 2015، وبالتالي يأتي الاحتلال هذا ليعيد تأهيل النظام وإيقاف تدهوره وتقديم السلطة كطرف أساسي في أية مفاوضات لحل "الأزمة" السورية، ومن هناك الانتشار العسكري الواسع وتعدد الضربات في أكثر من مدينة.

ما أخاف روسيا هو بدء تحركٍ دولي للمباشرة بالعملية السياسية. ويشكل ضعف النظام حجة ضده للضغط عليه بالشروط التي تبدأ بإخراج الأسد قبل البدء بالعملية السياسية وأن يكون دوره محدود بالتفاوض ما قبل البدء بهذه العملية، وبالتالي تريد روسيا إبقائه طيلة العملية الانتقالية وتوظيف هذا التحرك ليكون ضد الحرب على الإرهاب، بل هي تريد إبقاء الرئيس في مرحلة ما بعد هذه العملية. هذا مدخل الروس وروسيا ترى كل القوى في سوريا باستثناء النظام وقوات صالح مسلم قوى إرهابيةً وداعشية.

ما لم تفهمه روسيا أن حربها هذه بالتحديد ستدعشن الكثير من القوى وستقوى الجهادية ما لم توافق على الحل السياسي وفقاً لبيان جنيف الأول. المشكلة هذه قد لا تُحل قبل أن تمضي عدة أشهر وستخفق فيها روسيا بالتأكيد، وستصل جثث الكثير من الروس لذويهم، وحينها ستبدأ العملية السياسية مجدداً. وفي هذا السياق يتشاءم الكثير من المحللين من حكاية العملية السياسية ويعتبرونها لتمضية الوقت.

روسيا تريد إفهام أمريكا أن سوريا كاملة من حصتها في التقسيم الدولي لمنطقتنا والعراق من حصة أمريكا والذريعة لتحقيق ذلك هي الحرب على الإرهاب. فروسيا طلبت بوضوح أن تُخلى الأجواء السورية لها لتقوم بضرباتها، إذاً لتذهب أمريكا إلى العراق! ضربات روسيا لم توجه إلى داعش بل إلى المدن السورية، وهذا يعني أن مقولة الحرب على داعش هامة في سياق محاربة بقية القوى العسكرية وإعادة تأهيل النظام ليكون شريكاً في هذه الحرب. روسيا لم توارب في ذلك، بل تكرره بصورة مستمرة، حيث تقول بضرورة تشكيل حلف إقليمي لمحاربة داعش، وهناك معلومات أن روسيا بدأت تنافس أمريكا في العراق ذاته لمحاربة داعش، والكلام يجري عن لقاءات عراقية روسية إيرانية عسكرية وأمنية لنقاش الوضع في العراق.

ستفشل روسيا دون شك، فسوريا ليست الشيشان، وليست منطقة معزولة، وهي تكاد تصبح خاضعة للحسابات الإقليمية. أي كافة الفصائل العسكرية مدعومة من دولٍ ولها مصالح في سوريا، ولن تتوقف إلا باتفاق ينهي الحرب وببدء المرحلة الانتقالية، كتركيا والسعودية وقطر وأمريكا وفرنسا وسواها، عدا عن عدد كبير من المنظمات المتطرفة والأموال السياسية الداعمة للجهاديين، وهناك القوى السورية الوطنية التي لها مشروعها الرافض لكل أشكال الاحتلال بدءاً بالإيراني وليس انتهاء بالروسي فقط بل وترفض كل شكل للتدخل الدولي والإقليمي. إذاً الحرب لإعادة تأهيل النظام حرباً فاشلةً، ولكنها ستؤجل إحداث العملية الانتقالية لبضعة أشهر.

 النظام سيتشدد، الإيرانيون سيلتقطون أنفاسهم مجدداً وحزب الله سيتورط أكثر فأكثر، ولكن كل ذلك مجرد أوهام، فالحرب السورية يجب أن تنتهي ودول الإقليم لم تعد تسمح بأكثر من ذلك، ولا أمريكا وحلفها، فالحرب أصبحت مكلفةً وخطراً مباشراً على كل من تركيا والأردن. أمريكا وحلفها يعرفون ماذا يعني التدهور المستمر، ولديهم تجربتي العراق وليبيا، وبالتالي لن يتوقفوا عن ثني المافيا الروسية للدخول الجدي في العملية الانتقالية. انتقادات كيري مؤخراً أن بوتين بحربه ضد القوى المسلحة من غير داعش تستعدي "السنّة" وأنّه لم يعد يرفض بقاء الأسد ضمن العملية الانتقالية وبالتالي يمد لبوتين خيط النجاة وربما قاربه ليتوقف عن الغباء الروسي، وليوقف هذه العمليات المدمرة.

 التدخل الروسي هذا في وجه منه، للضغط على إيران والنظام معاً ويتضمن توضيحاً أن روسيا من تنقذهم في سوريا، وأن الدور الإيراني فشل تماماً والنظام كذلك، إذاً هناك هدف يخص إيران والنظام بأن لا يعارضا التفاوض مع أمريكا بخصوص مصالح روسيا في سوريا. روسيا بحربها "المقدسة" كما أسماها بطرك روسيا، وكلامه فيه دعم لهذه الحرب ليستطيع بوتين فرض سيطرته على سوريا في المستقبل، تريد إفهام ليس إيران فقط بل والعالم أن سوريا من حصة روسيا وهي من سيشكل النظام السياسي القادم. النظام الذي لا يتعدى إدخال "شوية" معارضة إليه، ممن رحبوا بالتدخل الروسي بلسان حسن عبد العظيم وهيثم مناع وبعض ممن صدّع رؤوسنا برفض التدخل الخارجي، وهذا يوضح مقدار النفاق والغباء في فهمهم للإمبريالية الروسية ولأمريكا ويوضح مقدار الانتهازية حيث ينتظرون كعكة لهم في النظام القادم.

 كما روسيا لا تفهم أن سوريا لن تكون الشيشان الثانية كذلك الجماعات المرحبة باحتلال الروسي. الأمريكان يحذرون من تعاظم الجهادية والتورط، وهذا سيؤدي إلى أفغنة سوريا وهزيمة الروس لا محالة، وتلك الجماعات السياسية المرحبة لا تقرأ الواقع جيداً، وربما عليها انتظار مصير نجيب الله في أفغانستان أيضاً.

ما يمكننا تأكيده، أن لا حلّ للوضع السوري خارج سياق العملية السياسية ووفق بيان جنيف الأول وليس وفقاً لألاعيب ديمستورا الأخيرة أو كيري مؤخراً، وبما يفضي إلى عملية انتقالية تقود سوريا إلى صراعٍ سياسيٍّ جديدٍ في إطار دولة تمثل كل السوريين وضد كل تدخل لصالح الدول الإقليمية والامبريالية وعلى حساب السوريين.

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق