لماذا خرجت حلب من خريطة "سوريا المفيدة"؟

لماذا خرجت حلب من خريطة "سوريا المفيدة"؟
القصص | 23 سبتمبر 2015

لا أحد يعرف على وجه الدقة متى تم استخدام تعبير "سوريا المفيدة"، ولكنه بالتأكيد تم بعد أن خرجت مناطق واسعة في الشمال السوري عن سيطرة النظام.

هو توصيف قاس، ولكنه بات نتيجة حتمية ويبدو ظاهراً للعيان أنه يتم إدارة الصراع في سوريا وفقه, بعد خمس سنوات من الكر والفر واستنزاف ممنهج لمقدرات البلاد المادية والبشرية.

فقد اتبع النظام السوري استراتيجية السيطرة على الطرق الرئيسية والمدن المهمة وترك المجموعات المسلحة في الأرياف كما فعل "السوفييت" في آخر سنواتهم في أفغانستان.

لقد راهن النظام السوري على عقيدة الجيش وتماسكه أمام المواجهات اليومية مع الفصائل المسلحة، ولكن الأخيرة استطاعت استنزافه والسيطرة على أهم المطارات والقواعد العسكرية في شمال البلاد, إضافة لمشاهد الإعدامات الجماعية التي قامت بها تلك الفضائل كما حدث في مدرسة المدفعية وفي مشفى الكندي وغيرها من المناطق، إضافة للمشاهد المؤلمة لذبح "داعش" لعشرات من العساكر والضباط في مطار الطبقة.

مما استدعى استراتيجية جديدة من النظام تقوم على رسم خطوط تماس مع الشمال وذلك بترك مواقعه والمحافظة على أرواح الجنود, كما حدث في جسر الشغور ومطار أبو الضهور العسكري، وإعادة التموضع في سوريا المفيدة أي المناطق الاستراتيجية التي يسيطر عليها النظام والتي تضمن له بقائه واستمراره كدمشق وحماه وحمص والسويداء والمنطقة الساحلية.

واللافت في المشهد السوري الجديد هو سقوط حلب من حسابات النظام, إذ لم تعد مفيدة وليست استراتيجية بالنسبة له, بعد ثلاث سنوات منذ دخولها دائرة الصرع المسلح واستنزافها اليومي وخروج كبرى معامل الأدوية ليس في سوريا وحسب بل في الشرق الأوسط عن العمل، وكذلك أفضل مصانع النسيج والمواد الكيمياوية والصناعية.

حيث تم تفكيكها وبيعها في تركيا من قبل المهربين واللصوص الذين استغلوا حالة الفوضى والقتال الدموي اليومي في المدينة الأكثر شهرة كعاصمة اقتصادية في سوريا.

أما المعامل التي نجت من السرقة فتم نقل بعضها إلى المنطقة الساحلية ومنهم من هاجر برأس ماله وخبرته إلى الدول المجاورة والدول الأوروبية.

إذاً من الناحية الإقتصادية لم تعد تنفع النظام إضافة إلى الإستنزاف اليومي من خلال معارك الكر والفر التي تقوم بها الفصائل المسلحة في محيط المدينة.

إن خروج مدينة بحجم حلب هو أمر كارثي على المدى البعيد, ويجعلها في مهب تجاذبات الفصائل المسلحة بين بعضها بعضاً وما يجر ذلك من ويلات إضافية على سكانها.

في ثمانيات القرن الماضي كانت حلب ضمن أكثر المدن تعرضاً للتجاذبات المسلحة بين النظام وحركة الإخوان المسلمين, فالذاكرة الحلبية لم تنس بعد مفاعيل تلك المرحلة، والتي كان أثرها كبيراً, لذا فإن غالبية سكانها لم تكن مع أي حراك مسلح حين بدء الثورة السورية، فالذاكرة لم تشفَ بعد من ندبة الثمانينات, ولكن ريف حلب لم يكن هذا رأيه.

فلم تنج من الصراع المسلح كما نجت مدينة حماة، التي تحمل الذاكرة الأصعب في ندبة الثمانينات.

والظاهر للعيان وحسب الواقع، فإنه يتم التعامل من قبل النظام والمعارضة مع حلب على أنها الخاصرة الموجعة والرخوة, واقتصر التعامل معها كمقدرات مادية وبيت مال، متى ينتهي سوف يولي الطرفان وجههما عنها.

كانت حلب ضمن خطة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لتجميد القتال فيها، ولكن ذلك قوبل بالرفض من قبل فصائل المعارضة المسلحة، والتي تتبع غالبيتها كمرجعية لأنقرة.

وهناك من يرى بأن عين أنقرة على حلب التي تمسك جيداً بالفصائل المسلحة التي تواجه النظام, وقد قام مؤخراً مجموعة من رجال الدين المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين بإصدار فتوى تبيح استخدام الليرة التركية بدلاً من الليرة السورية, ولكن هل تنجح في ذلك؟.

هذا أمر مرهون بما ستجلبه طاولة المفاوضات من نتائج وحصص لإرضاء الدول التي دخلت بشكل مباشر في الصراع على سوريا.

قد ينجح النظام بالحفاظ على مواقعه ضمن "سوريا المفيدة" وترك المناطق التي انسحب منها للتفاوض الدولي بخصوص محاربة الإرهاب، ولكن ذلك سيطول وسيطول معه عودة سوريا قبل عام ٢٠١١, فسوريا قبل هذا التاريخ وبعده مختلفتان جذرياً والثمن كان ومازال غالياً جداً!.

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق