حشدت إحدى كنائس باريس، يوم الثلاثاء 8 أيلول، بمئات المودعين لشخصية استثنائية، الدبلوماسي الفرنسي السابق فلاديمير غلاسمان، الذي كرس حياته خلال سنوات عمله في دمشق، وفي السنوات الأخيرة في باريس، لحق السوريين بالحرية والكرامة، وجعل من نضالهم قضيته.
سفراء فرنسيون ومعارضون سوريون، ومعتقلون سابقون وكبار أساتذة الجامعات، وباحثون فرنسيون وعرب وصحفيون، وكتاب ومناضلون حقوقيون وغيرهم، جمعهم الحزن والشعور بالخسارة الفادحة، وكان لكل من الحاضرين تاريخ وقصة وذكريات شخصية مع فلاديمير. فكان سفيره السابق في دمشق يعتمد في أداء مهمته الدبلوماسية على معرفة فلاديمير المعمقة بالمجتمع السوري، واتصالاته بمختلف الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية فيها، ولكن لم يكن يعلم بما كشفه له بعض المعارضين السوريين في الكنيسة، عن علاقاتهم السرية بفلاديمير التي حضنهم وحماهم وساعدهم أحياناً، على اللجوء إلى فرنسا بعد خروجهم من السجن.
وتذكر كل من الصحفيين المخضرمين والباحثين الشباب، ما استفاده من كتابات فلاديمير، والمعلومات الخاصة التي وفرها لهم في عملهم خاصةً عبر مدونته الشهرة على موقع صحيفة لوموند "عين على سوريا"، فكان يوفر للفرنسيين أفضل وأدق المعلومات والتحليلات عن الوضع السوري، وكيفية التعامل معه، بينما كان يقدم للسوريين أفضل النصائح لكيفية التعاطي مع الرأي العام، وصانعي القرار الفرنسيين.
لم يشكك يوماً فلاديمير بشرعية وعدالة الثورة السورية، بل بثقته المطلقة بنجاح وإبداع الشعب السوري، رغم المرض والعلاج العصيب، لم يغب فلاديمير منذ بداية الثورة عن أي مظاهرة، أو لقاء أومحاضرة لنصرة الثورة السورية في باريس. وبعد أقل من 24 ساعة على وفاته يوم 21 آب الماضي، حضرت زوجته وابنه تجمع السوريين أمام "برج ايفيل"، في الذكرى الثانية لمجزرة الكيميائي في الغوطة.
في الكنيسة الباريسية يوم الثلاثاء، رأينا سوريين مسيحيين يصلون، وفرنسيون لا يصلون، وشابات محجبات تقرأ الفاتحة بقلبها، ودبلوماسيون وأكاديميون يدمعون، كانت جموع الحزن تشبه الصورة المثالية للثورة السورية، التي أردناها، والتي أرادها لنا فلاديمير.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".