عن اقتصاد الحرب في سوريا وأمرائها

عن اقتصاد الحرب في سوريا وأمرائها
القصص | 10 سبتمبر 2015

بعد أشهر ستكمل الثورة السورية عامها الخامس. خلال هذه السنوات الخمس تحولت الصيرورة الثورية وتغيرت بأشكال ومفاعيل متعددة. فبدئاً من الحراك السلمي والمظاهرات والاحتجاجات اللاعنفية والتي وسمت شهور الثورة الأولى، أدى تصاعد العنف الموجه والممنهج من قبل النظام إلى عسكرة قطاعات من الشبيبة وحملها للسلاح، كان في عديد المرات بمثابة عنف مضاد منفلت عن عقاله وخارج عن متطلبات الحالة الثورية في الدفاع عن النفس وصون كرامة الأرض والإنسان من الانتهاك. 

وأدى هذا العنف المضاد في مراحل تالية لصعود تيارات وفرق، منها ما نسب نفسه إلى الثورة ومنها ما مايز نفسه عنها بمشروعه و فكره. فكان أن ظهرت تيارات جهادية و فرق إسلامية تكفيرية تدعي الثورة وهي منها براء. كما أدى التصعيد المتبادل من قبل هذه القوى الدخيلة والغريبة عن روح الثورة وروح المجتمع السوري بينها وبين قوى النظام المحلية والإقليمية إلى إنتاج أشكال مسخية من حركات مسلحة ذات طابع إرهابي بحت كداعش والنصرة والكتائب المسلحة الموالية لإيران. 

هنا أصبح الإنسان السوري محتجزاً ورهينة لأطراف الصراع، و خاصة بعد التدويل الذي لا سابق له للقضية السورية. لقد أخذ الإنسان السوري في الداخل سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو تلك التي تسيطر عليها كتائب المعارضة المسلحة، المحاصرة منها وغير المحاصرة، بالإضافة حتى للمناطق التي يصعب الوصول إليها كمناطق سيطرة "داعش" أو غيرها من القوى المتشددة التكفيرية، أخذ الإنسان السوري هنا ممسوساً بكل فظائع الحرب وويلاتها، فلا أدنى شروط الحياة بالأمان والحماية بقادرعلى امتلاكها، ولا لقمة العيش ممكنة له. فقدت أغلب مناطق الوطن السوري ممكنات الحياة. وهذا الهم يعايشه ويخبره الجميع دون استثناء.

الآن كل أطراف الصراع تقريباً دون اسثناء تمارس آليات وتصرفات تكاد تتشابه في الشكل والمضمون. فالاعتقال التعسفي و منع التعبير وإبداء الرأي هو الغالب في مناطق النظام والمعارضة على حد السواء. الوضع الاقتصادي أيضاً يكاد يتماثل في الجانبين، فلا ماء ولا كهرباء ولا حتى أدنى الخدمات الاجتماعية متوافرة للمواطنين السوريين، وبالطبع فإن مناطق النظام تحظى بفرص أكبر من هذه الخدمات وذلك بسبب التفوق العسكري والجوي الذي تمتلكه قواته العسكرية على خلاف قوى المعارضة المسلحة. 

تقريباً بعد أربع سنوات من النزاع، غدا الاقتصاد السوري في الحضيض تماماً. الموارد والبنى التحتية قد دمرت بشكل شبه تام. نصف عدد السكان يعيشون الآن تحت خط الفقر، ومؤشر النماء الإنساني قد تراجع إلى المقدار الذي كان عليه قبل 37 سنة مضت. لقد أعاد "بشار الأسد" سوريا كما تسلمها أبوه منذ أربعين سنة. الاقتصاد السوري قد شهد أربع مراحل من التدهور ابتدأت بتفشي النزاع أولاً، ومن ثم فرض للعقوبات الاقتصادية، وفي مرحلة لاحقة توسع ساحة القتال في المناطق ذات الأهمية الاقتصادية كحلب و المناطق الشمالية، وأخيراً استحواذ المعارضة على المناطق الشرقية الغنية بالموارد من نفط وغاز. على الرغم من هذا، تبقى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام مرنة و متكيفة بسبب الدعم الجوهري الذي يقدمه الحلفاء المحليين والدوليين بشكل خاص للنظام. و يبقى هذا الأخير قادراً على إنتاج أوالية اقتصادية تؤسس لسوريا المفيدة له، وتترك للمعارضة والثورة " سوريا الضارة "، الخالية من كل مقومات الحياة.

وقد ازداد توسع التعامل باقتصاد الحرب من خلال الاقتتال بين كتائب المعارضة للاستحواذ على الموارد الثمينة مثل حقول النفط و مخازن الحبوب، بالإضافة لظهور مليشيات الدفاع الوطني وغيرها من قوى الشبيحة وفرق الجيش التي وبسبب التأثيرات التي تفرضها العقوبات قد أنتجت أيضاً شبكات مافياوية جديدة و قوية داخل مؤسسة النظام. هكذا أصبح لدينا مجموعات مسلحة متزايدة العدد من كلا الطرفين تحصد الرزق وتكسب الجاه و السلطة من جراء استمرار الاقتتال، مما يعطيهم دافعاً أقوى لمزيدٍ من الرصاص.

اقتصاد الحرب هذا، يؤشر وبالسياق الأول إلى أن الحرب مقبلة على ديمومة أطول ما دام أطراف النزاع يجنون الثروات على حساب الشعب السوري، و تشير إلى أنّ الكعكة الاقتصادية ما تزال بيد نظام "الأسد" مهما كان التردي والعجز الاقتصادي ينهك بنيته وحاضنته الشعبية حتى يومنا هذا.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق