"حل سياسي" وتدويل عسكري

"حل سياسي" وتدويل عسكري
القصص | 08 سبتمبر 2015

يعود إلى الواجهة بقوّة الحديث عن "حل سياسي" يضع نهاية للحرب الدائرة في سوريا، من المفترض أن يتمخّض عن "خطة السلام" التي تبنّاها مجلس الأمن الدولي في 17 آب (أغسطس) الماضي. هذا التطور يأتي على خلفية حراك دبلوماسي مكثّف، من قبل مختلف الأطراف المعنيّة بالحرب السوريّة، مهّد لإعلان مجلس الأمن عن تبنّيه الخطة العتيدة ثمّ تواصَلَ بعده.

من أبرز فعاليات الحراك الدبلوماسي ذاك، اللقاءات الثنائية المتعدّدة التي جمعت وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظيريه الروسي سيرغي لافروف والسعودي عادل الجبير، إضافة إلى لقاء آخر ضمّ الوزراء الثلاثة معاً في الدوحة، وكان الأول من نوعه. ثم لقاء الوزيرين الأميركي والسعودي قبل أيام، وذلك تمهيداً لزيارة رسمية سيقوم بها الملك سلمان بن عبد العزيز إلى واشنطن، قيل أنّ الملف السوري سيكون أحد أهمّ محاورها.

ولمّا كانت "خطّة السلام" الأممية سابقة الذكر تستند إلى مبادئ بيان "جنيف1"، الصادر بتاريخ 30 حزيران (يونيو) 2012، فيمكن القول إنّ ثلاثة أعوام من استمرار الحرب، والمزيد من قتل السوريين وتهجيرهم ودمار بلادهم، لم تكن سوى عبثٍ بلا طائل، وإنّ أقصى ما سعى كل فريق لتحقيقه كان تحسين موقعه التفاوضي، فقد عاد الفرقاء الآن إلى المربع الأول: "بيان جنيف1".

لعلّ من المفيد التساؤل: ما الذي تغيّر الآن كي يتبنّى مجلس الأمن الدولي بالإجماع "خطة السلام" هذه، بعد أن تكرّر فشله طيلة السنوات الماضية في التوصل إلى إجماع ينهي انقسام أعضاءه الدائمين بشأن سوريا؟

إلى جانب تطورات خارجية هامّة، دولية وإقليمية، في مقدّمها التفاهم النووي الأميركي- الإيراني، يجدر التوقّف عند "التطور" على المستوى السوري نفسه. فخلاصة ما جرى خلال السنوات الثلاث الفاصلة بين جنيف1 وبين "خطة السلام" الأخيرة، هي تراجع دور السوريين أكثر فأكثر، نظاماً ومعارضاتٍ، في مجريات ومآلات ما تشهده بلادهم، حتى كاد كلّ من الجانبين أن يكون مجرّد أداة قتل بيد قوى خارجية تسانده، وحارساً لمناطق نفوذها وفق ما تشكلت بفعل المعارك وموازين القوى على الأرض. فالأطراف السورية عجزت عن تحقيق أهدافها: فشلت المعارضات المختلفة في إسقاط النظام، وفقد الأخير الكثير من المناطق لكنه مازال يحافظ على رأسه، ويواصل  إجرامه وتنكيله بالسوريين، رغم عدم قدرته على استعادة ما خسره.

وعدا استثناءات محدودة تعبّر عنها بعض بقايا "الجيش الحر" التي ما زالت تؤمن بأهداف الثورة السورية، ولم تفقد بوصلتها في مجابهة النظام، وحافظت على خطاب وطني جامع، فإنّ الصبغة الطائفية والانخراط في المشاريع الجهادية، بات السمة الغالبة على المجموعات المسلحة المرتبطة ولو اسمياً بالمعارضة. في هكذا أجواء، ومع تواصل عجز الأطراف السورية عن الحسم، ازداد تغلغل منظمات الجهاد العالمي، لا سيما من بنات تنظيم القاعدة الإرهابي، مثل "جبهة النصرة لأهل الشام" وتوأمها اللدود "الدولة الإسلامية"، وسواهما. ويبدو أنّ قتال هؤلاء تحت غطاءٍ دوليٍّ يتيح التدخّل العسكري المباشر، سيكون البوابة الواسعة التي من خلالها سيشرف "الخارج" على مناطق نفوذه في "الداخل".

ينبني هذا التقدير على جملة معطيات تحمل إشارات وتلميحات مختلفة ترجّحه. من ذلك، تضمين بندٍ رئيسيٍّ حول "محاربة الإرهاب" في "خطة السلام" المدعومة أممياً. ثم الرسائل التي حملتها تصريحات كيري الأخيرة حول إمكانية قيام دولٍ شرق أوسطية بإرسال قواتها البرية إلى سوريا لقتال "الدولة الإسلامية"، وأن هذا سيحصل "في الوقت المناسب" وفق تعبيره. وبحسب الوزير الأميركي، فإنّ هذه المسألة ستُناقش في الأمم المتحدة، خلال دورة جمعيتها العامة المزمع عقدها في نيويورك، نهاية الشهر الجاري. أيضاً هناك التسريبات الإعلامية عن طلعات جوية روسية في الأجواء السورية، وتداول معلومات عن إنزال قوات بريّة روسية في سوريا لمساندة النظام في "الحرب على الإرهاب". يضاف إلى ما سلف، الخطط التركية بشأن دعم مجموعات من المعارضة السورية المسلحة، موالية لها، للسيطرة على المناطق الحدودية شمال سوريا، وقد رشحت أنباءٌ عن اجتماعات عُقدت لهذه الغاية، بين مسؤولين أتراك وجهات من المعارضة السورية المسلحة، والذريعة ذاتها: "محاربة الإرهاب"، ومعلومٌ أنّ "الإرهاب" وفق الفهم التركي له يمتدّ ليشمل مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذي يسيطر جناحه السوري على معظم المناطق الكردية في سوريا.

على ذلك، ليست غاية الحراك الدبلوماسي الحالي دعم "الحل السياسي" فقط، وإنما أيضاً وبشكل رئيسي، التفاهم على ترتيبات دولية عسكرية ستترافق معه. هذه الترتيبات، وإن كانت تحت مسمّى "محاربة الإرهاب"، غير أنّها على الأغلب، سترسم ملامح المرحلة التي ستعقب الحلّ المزعوم، بما يتلائم مع ما توصّلت إليه القوى الرئيسية الممسكة بخيوط لعبة الحرب السوريّة القذرة، من تفاهمات وتسويات يبدو أن ظروفها قد نضجت بما يكفي لتقاسم تركة "الرجل المريض" الذي صارته سوريا.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق