"والله ندمان ليش طلعت من سوريا"، قسمٌ وخمس كلمات، لخّص بها سامر حاله، بعد وصوله إلى العاصمة الهنغارية بودابست، وخوضه تجربة الضياع في غابات ذاك البلد، لثلاثة أيام.
الشهر الماضي، قرر الشاب الخروج من دمشق، مستهدفاً ألمانيا "الحلم"، وصل أزمير التركية، عشرة أيامٍ هناك، تخللها رحلة بحر فاشلة إلى اليونان في "البلم"، القارب المطاطي، ووعود كثيرة من المهربين، وساعات قلق طويلة، لكنّه وصل اليونان، ثم استقر به الحال في بودابست، منتظراً، مهرباً ما، أو أي شيء آخر، يأخذ بيده إلى ألمانيا.
وليس سامر، السوري الوحيد الذي يشعر بالندم، ثمة سوريون كثر كذلك، فالأخبار القادمة من طريق التهريب الرئيسي، لا تسر، ولا تريح أي منتظرٍ لقريب أو صديق، ذاهب للقارة العجوز.
موت وتحت رحمة المهرب
بعد أيامٍ من المعاناة في أزمير غرب تركيا، وهي أولى محطات رحلة اللجوء، قررت ريما الرجوع من حيث أتت، وعادت إلى استنبول، لتراجع حساباتها هناك.
"أنت تحت رحمة المهرب وبأموالك، يكذب عليك ويستغبيك، ويعتبرك قطيع غنم، وإذا ناقشته يستطيع طردك، يعاقبك بعدم الذهاب إلى اليونان"، تقول ريما، واصفة الوضع في خطوة الهروب الأولى.
وتضيف:" تذهب إلى غير ذاك المهرب، يقول لك الموج هادئ، وهو غير ذلك، يكون الموج فوق المترين ثلاثة، روحي غالية، كل الناس ضدي ولا أستطيع أن أقول للمهرب لا، حاولت إقناع الآخرين ولم يردوا، رجعت استنبول لأعيش حياةً جديدة، لن أتعرض لموقف ذل".
لكن، كم من ريما قررت الرجوع؟ عدد قليل ربما، أكثر الذاهبين لأزمير أو الشواطئ التركية، يخضعون لسلطة المهربين، والوقائع تدل حالياً، على كم الناس الذين رضخوا، وخاضوا البحر، منهم نجى، ودخل مخاطرة أخرى، وبعضهم، عاد جثة هامدة إلى الشاطئ.
موت وشعار "منحبك"!
بدأت موجة "منحبك يا ميركل"، مذ أعلن مكتب الاتحاد الألماني للهجرة واللاجئين، الشهر الماضي، إلغاء العمل باتفاقية دبلن الخاصة باللاجئين، تجاه السوريين القادمين إلى ألمانيا، فاتحاً أبواب برلين والمدن الأخرى، للباصمين منهم في دول أوروبية، تعترف بالاتفاقية.
رأى الكثير من السوريين في ذاك القرار، إطار نجاة ينقذهم من بحر اللجوء وغاباته، ومخاطره.
توسعت الشعارات التي تتغنى بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فبعد إلغاء برلين اعترافها ببصمة دبلن لأجل السوريين فقط، ظهرت صفحة على الفيسبوك، تحت عنوان "ماما ميركل"، حتى الآن حصدت أكثر من 5500 لايك.
"انا عربي سوري روحي ودمي فدا ألمانيا وعاشت ألمانيا حرة"، كتب أحد السوريين، على جدار تلك الصفحة الأزرق، وعلّق آخر:" الأسد أسد إن كان ذكراً أو أنثى".
ونشرت الصفحة منشوراً جاء فيه:" ماما ميركل كانت اليوم بين اللاجئين السوريين في درسدين كل الاحترام لكي".
ومع هذا، غاب عن أذهان السوريين، الذي يتغنون بميركل وحدها، ورأوا فيها قائدةً منقذةً، أن قرار إلغاء اتفاقية دبلن، ليس شخصياً من المستشارة الألمانية، بل هو قرار حكومي، وفي تلك البلاد، لا يخرج قرار مماثل، دون رأي عام مؤيد، ولا يولد، دون مخاض ديمقراطي ومؤسساتي، على العكس تماماً، من بلدان العالم النامي.
ردود فعل أخرى
تلك الشعارات والهتافات، ربما تدل على أن رواسب الأنظمة القمعية، وآثار الدولة العميقة القائمة على قائد خالد! ما زالت لدى سوريين، اجتازوا الحدود والبحار، ووصلوا أوروبا.
وبعيداً عن ذلك، هل انتبه المتغنون بميركل وسوريون آخرون، إلى تعدد طرق الموت لأبناء جلدتهم؟ من شاحنة براد يموت فيها سوريون اختناقاً، إلى ضيعانٍ في الغابات الأوروبية والموت من التعب، مروراً، بالغرق، فالبحر يلفظ كل يومٍ، جثث أطفال سوريين.
آخر العائدين من رحلة اللجوء ميتاً، كان الطفل "آلان كردي" وأخوه، يبدو أنه لم يتجاوز الثلاث سنوات، اجتاحت صورته صفحات الموقع الأزرق، وهو ملقىً على صدره، وراءه عنصر من خفر السواحل التركي، يستعد لنقله، من المكان.
هنا، تساءل أحد السوريين على صفحته في الفيسبوك:" فيزا نظامية كانت أنقذتو و كتير غيرو من الضحايا المجهولين للتهريب"، تساؤل، يلخص الكثير من الكلمات، عن صورة طفلٍ غريق، لا تكفيها صفحات الانترنت، لتحكي عن مأساتها، ربما!