مقالات الرأي | ساد وهمٌ طاغيٌّ أنّ الطائفية هي النظام الوحيد لإنقاذ البلاد من الدكتاتورية، ولا سيما في سوريا والعراق، وأُسّس النظام الطائفي في العراق على يد الحاكم الأمريكي بريمر 2003؛ وقال معارضون كثر في سوريا، أن المثال اللبناني هو المثال المأمول للثورة السورية. أي أن سوريا تحتاج إلى نظامٍ طائفيٍّ؛ ودعموا حجتهم البائسة هذه، بأنّ النظام علويٌّ ومنهم من قال أنّه طائفيٌّ، ولإعادة الأمور إلى موازينها لا بد من ذلك. وبذلك برأيهم يتوازن المجتمع حالما يعود الحكم لأغلبيته الدينية، وحينها تحوز كل طائفةٍ على حقوقها السياسية وفقاً لتعداها؛ هذه نظرية كثير من الليبراليين؛ وبذلك يمكن تلافي ما فعله النظام والصمت تجاه الأقليات التي ناصرته!
هذا منطق طائفي بامتياز، الشعب فيه محض طوائفٍ، وللأغلبيّة العدديّة السلطة بالضرورة؛ الانتفاضة اللبنانية والعراقية قالت أنّه كاذبٌ؛ فالانتفاضتان رفعتا شعاراتٍ تندّد بالسلطة وبإسقاط النظام الطائفي وأنّه لا يعبر عن المجتمع ولا يليق بأيّ مجتمع بشري. ففي العراق الذي سُكب الكثير من الحبر والدم لتطييفه من قبل الولايات المتحدة وإيران والتابعين لهاتين الدولتين قال متظاهريه أنّهم يريدون دولة مدنية وديمقراطية ويجب إنهاء الهيمنة الإيرانية "بغداد حرة حرة.. إيران بره بره"، وفي لبنان قالت الانتفاضة بضرورة إسقاط نظام 14 و8 أذار، ورفعت صوراً تمثل كل زعماء لبنان وهم منحشرون في حاويات القمامة.
إذا لم يعد لبنان ولا العراق إنموذجاً للسوريين؛ السوريون الذين قالوا في بداية ثورتهم أنهم ساعون إلى دولة لكل السوريين، وأن الشعب واحد، أي يريدون دولة مدنية تعبر عن الجميع.
خالف ذلك الليبراليون والاسلاميون، وأمّا النظام فلم يفوّت حيلة لحرف الثورة ولم يفعلها وكان من ثمار أعماله الفاضلة تعاظم الجهادية وسيطرتها؛ الأن انتهت أحلام الليبراليين في الدولة الطائفية؛ وأوهام الجهاديين لن تتحقق كذلك، فهم أدوات سياسية لدول خارجية؛ وأنّ اللعب السياسي بجبهة النصرة وداعش ومؤخراً أحرار الشام وكذلك جيش الإسلام وسواها لن يفضى إلى حلٍّ طائفيٍّ لسوريا؛ فهو يناقض أحلام السوريين. والحل السياسي المطروح وفقاً لمسارات ديمستورا الأربع بعيد عن ذلك تماماً؛ وفي حال البدء به، سيضع رأس الجماعات التفكيرية على طاولته؛ الجهاديون يعرفون ذلك، والدول المتدخلة بسوريا تعلم ذلك والنظام أيضاً، ولذلك يتعقّد الحل. الشعب بدوره ينتظر لحظة إيقاف إسقاط البراميل ليعود إلى مدنه وليكنس التكفيريون والنظام كذلك.
الشعب الذي رفض أن تكون الطائفية نموذجاً لثورته منذ 2011، يرفض مجدداً المشروع الأصولي والجهادي. فالأخير مارس سلطته الإجرامية باسم الله والنبي وكانت شمولية، واكتشف الشعب أنّها أدهى وأمرّ حتى من ديكتاتورية النظام ذاته، وبالتالي ليست الطائفية نموذجاً، والنظام اللبناني أصبح مهدداً في لبنان ذاته.
الوضع في سوريا معقّد للغاية، وإيران التي يُعَدُ لمغادرتها سوريا، تعمل من أجل البقاء؛ وتجد سبيلها لذلك اللعب بالورقة الطائفية، والدفع بفكرة الدويلة العلوية إلى الواجهة بدءاً من دمشق والقلمون وحمص إلى اللاذقية كورقة سياسية لتستخدمها في مفاوضات الحل النهائي، وبالتالي حماية حزب الله في لبنان. إيران تتوهم كثيراً وتعمل من أجل حكم طائفي شبيه بنظامها وبالنظام اللبناني؛ وفي هذا تتلاقى مع الليبراليين السوريين، وإن ليس بنفس النموذج المرغوب فيه، التلاقي بضرورة الطائفية وليس بحجم الحصص المخصصة لكل طائفة!
مخطط ديمستورا لا يتضمن نظاماً طائفياً، بل نظاماً لا يتجاهل التوزع الطائفي ولكن ليس بالمعنى الطائفي، بل تُمثلُ الطوائف فيه كما كان يفعل النظام من قبل، أي للطوائف حصص محددة في السلطة ولكن ليس بشكلٍ طائفيٍّ؛ وروسيا لن تقبل بتقسيم سوريا ودعم دويلة خاضعة لها في العاصمة واللاذقية وطرطوس، بل تريد الاستثمار في كل سوريا؛ تركيا أيضاً توافق على تداول عملتها الضعيفة في إدلب وحلب، وتنشئ منطقة عازلة وتتدخل عسكرياً، وبالتالي تريد حصةً كبيرة في كل سوريا وتعويض خساراتها قبل 2011، السعودية المبعدة عن علاقات قوية مع أمريكا أيضاً تريد حصتها مقابل صفقة النووي التي أبقت البنية التحتية النووية الإيرانية كما هي.
حل كل هذه القضايا يتطلب الانتقال السياسي في سوريا، وإشرافاً روسياً عليه، ولكن نجاح ذلك يفترض أن يتم الحل وفقاً لوثيقة جنيف. محاولات ديمستورا لتحريف وثيقة جنيف والعمل بما يُبقى النظام كما هو ستفشل ومن هنا نجد خطاباً سعودياً - أمريكياً يؤكد أن تكون مساراته وفقاً لوثيقة جنيف، أي تتضمن تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات؛ الأن تتم الكثير من اللقاءات الدولية من أجل الموضوع السوري؛ وهذا سيتضمن حلاً لا ينطلق من النموذج اللبناني الفاشل ولا العراقي الذي كان كارثياً على المصالح الأمريكية في العراق. نضيف أيضاً أن الحل السياسي بسوريا لن يكون الحل الإيراني كما طرحته إيران قبل شهر تقريباً، ولن يكون كما تشتهي روسيا والإبقاء على الأسد، بل سيكون حلٌّ ينسجم مع وثيقة جنيف.
ما ذكرناه يطرح السؤال الأساسي مجدداً هل وصل الوضع السوري إلى ضرورة الحل السياسي إذاً. نقول نعم. وإن كانت ملامح الحل السياسي لا تزال مشوشة ولكن الممكن منها ما عرضته أعلاه ولن يكون طائفياً، وإلا فسيكون الفشل مجدداً وسيكون مستقبل سوريا والمنطقة مفتوحاً على أسوأ الاحتمالات؛ أي توسع الجهادية إلى الدول الإقليمية وخروجها من حظيرة التحكم الدولي.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".