لربما كان حال أحمد محزناً، لقلوب العديد من المارة في شارع الاستقلال المعروف، وسط مدينة استانبول التركية، فقد اعتاد التسول حافي القدمين رث الملابس، حاضناً لافتته الورقية، ومنادياً بقوة: "أنا سوري ساعدوني"، وهي ذات العبارة المطبوعة على اللافتة، ما يدفع كثيرين للاعتقاد بأنه مجرد سوري، أبعدته آلة الحرب عن بلدته.
جوازات سفر سورية للتسول أيضاً
رصدت روزنة واقع التسول في مدينة استانبول، اكتشفنا أن بعضاً من المتسولين أتراكٌ يدعون أنهم سوريون، يتقنون القليل من العربية باللهجة السورية، مستحوذين بذلك على أكبر قدر من التعاطف والمال أيضاً.
اقتربنا وجربنا الحوار معهم، وعلمنا أن أحمد الذي استثار حزننا لأول مرة، ليس إلا واحداً منهم، فلدى لقائنا به نجح بدايةً في الإجابة عن أصله وفصله، محاولاً استجرار عطفنا، مدعياً أنه من طريق الباب بمدينة حلب، لكنه سرعان ما كشر وعبس، لدى طرحنا المزيد من الأسئلة المتعلقة بعائلته.
وبدى وقتها، ارتباكه واضحاً، من عدم فهمه للغة العربية أصلاً، مكرراً عبارة: "أنا سوري من حلب، أنا سوري من حلب"، إلى أن فشلت جميع محاولاته بإقناعنا، فقرر حمل لافتته، مبتعداً إلى مكان آخر.
الصغار أيضاً!
لا يقتصر الأمر على كبار السن من المتسولين فحسب، بل يتعداه إلى الصغار أيضاً، أطفال أتراك لم يتجاوزوا العاشرة بعد، ينتشرون في الأسواق والمقاهي، بين العامة في الشوارع، ينادون باللكنة العامية: "ساعدونا نحنا السوريين"، التقينا بأحدهم وحاولنا الحديث معه، بينما كان يتسول من أحد المارة، وتبين لنا أنه لا يتقن من العربية إلا كلمتين فقط.
سألناه عدة أسئلة، ودار الحوار التالي معه: "من وين أنت؟، فأجاب أنه من سوريا، من وين من سوريا؟ من عفرين بحلب، طيب وين عيلتك؟ أنا سوري من حلب، كيف سوري وماعم تفهم عربي؟ أنا سوري بحكي عربي شوي شوي".
بعد قليل، أصيب خليل بالملل لعدم فهمه اللغة العربية، فقرر أخيراً وبعفوية الطفولة، التحدث بلغته التركية الأم.
أساليب عديدة ومتنوعة!
تتنوع أساليب وأشكال التسول في مدينة اسطنبول، فقد لفتنا البعض من المتسولين المدعين أنهم سوريين، يستخدمون هويات وجوازات سفر سورية، أو حتى مجرد أوراق مطبوعة، تتلخص بضرورة مساعدة السوريين.
فأحدهم كان يمتلك جواز سفر سوري، كتب عليه أنه من حي الحيدرية في مدينة حلب، صدفناه مساءاً في حي الفاتح الشهير، لكن يبدو أننا أثرنا غضبه بطريقة أو أخرى، بسبب حديثنا معه، فقرر التهرب من الإجابة والصراخ بوجهنا.
حاجة أم كذب
لا يمكن إغفال مدى تنامي ظاهرة التسول بين السوريين أنفسهم، فبين الحاجة والكذب بات من الصعب التأكد من صحة أقوال بعض المتسولين السوريين، الذين قابلناهم، أثناء جولتنا، وكان من بينهم عدنان ذو الثانية والثلاثين عاماً.
رد عدنان بسؤالنا له عن حاله: "شو شايفتني عم أعمل لك أختي عم نسترزق، يعني عم حاول عيش بس ماعم يطلعلي كتير مصاري، شو بدي أعمل يعني، طلعت من سوريا بعد ماخسرت كل شي وانقصف بيتي".
"كلون كزابين"، بهذه الكلمات عبر عدنان عن مضاربة المتسولين الأتراك، المدعين أنهم سوريين له، فلا شك أنهم يتسببون بقلة مصدر رزقه كما يقول.
والتقينا، بمتسولة سورية أخرى كانت قد افترشت الأرض وسط ميدان تقسيم، اعتبرت أن التسول مجرد مهنة تعود عليها ببعض المال، كي تتمكن من شراء الحليب لرضيعها الصغير، حسب تعبيرها.
حملات واجراءات
مجموعة من الناشطين السوريين أطلقوا منذ مدة، حملة تبين مدى انتشار ظاهرة التسول باسم السوريين في تركيا، وخصوصاً بعد أن تطورت الظاهرة، لتتحول إلى مهنة رخيصة يزاولها البعض لكسب المال، مستغلين بذلك قضية السوريين ومأساتهم.
في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات التركية، عن إجراءات جديدة ستنفذ بحق المتسولين السوريين في الشوارع التركية، تزامنًا مع انطلاق موسم السياحة الصيفي لهذا العام، حيث نص التعميم الموجه إلى الجهات المختصة في المحافظات، وإدارة الطوارئ والكوارث التركية (أفاد)، أنه "ونظراً لارتفاع أعداد المتسولين ومفترشي الطرقات -وعلى رأسهم السوريون- ستقوم البلديات وخصوصاً في منطقة بحر إيجة بجمعهم وإرسالهم نحو المخيمات الحدودية".