في العلوية السياسية وغيرها

في العلوية السياسية وغيرها
القصص | 11 أغسطس 2015

مقالات الرأي | يعيد الفهم الطائفي المجتمع إلى هوية أفراده الدينية، فيصبح المجتمع مجتمعات والشعب شعوباً. تستقي الكتابة في الطائفية عن سوريا مرجعيتها من لبنان؛ ولكن إن كان لبنان محكوماً بنظام طائفي ليخفي هزال طبقته البرجوازية وعدم قدرتها أن تكون كمثيلاتها الأوربيات، فإن نسخ المفهوم إلى سوريا يستند إلى أوهام محضة؛ تذهب بالفهم هذا نحو مقولات في غاية البساطة والركاكة، أي تعريف الأفراد بديانات عائلاتهم التي ولدوا فيها، مع تجاهل كامل لبنية المجتمع ولطبيعة الحكم كذلك. وهذه واحدة من خصائص الطائفية. 

حاول المفكر صادق جلال العظم تفسير طبيعة النظام السوري بسبب العنف المطلق الذي واجه فيه الثورة الشعبية؛ واهتدى إلى مفهوم "العلوية السياسية"، وبرأيه لولا وجودها لانهار النظام، ولكنه وبدلاً من حصرها بالسياسية يوافق الصحفي ويوسع مفهومه ذاك إلى الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وسواها، متجاهلاً تحالفات كبيرة بين السلطة وطبقة البرجوازية السورية، التجارية والصناعية وسواها، وضاماً كل أفراد الطائفة العلوية إليها، وتمييزه بين العلوية السياسية والطائفية العلوية، يفيد فقط في أن هناك طائفة حاكمة وطوائف مستبعدة؛ ويجب الانتهاء من النافذين في الطائفة العلوية أي السياسيين وعدم الانتهاء من بقية العلويين.

هكذا تفسير يسقط في مطب الطائفية، والسؤال أين هو الحزب العلوي، وأين المشروع العلوي في ممارسات هذا النظام؟ أليس هذا النظام في كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية تعبيراً عن شكل طبقي من السيطرة، تطور وأصبح يتطلب اندماجاً مع العولمة، فكانت الثورة بسبب السياسيات الليبرالية؛ إن وجود مجموعات محددة في النظام تنتمي إلى الطائفة العلوية وتحديداً في أجهزة الأمن والجيش والاستيلاء على أهم مفاصل الاقتصاد، لم يمنع وجود أعدادٍ كبيرة من بقية الطوائف في تلك الأجهزة وفي كافة مستويات النظام؛ إذا هكذا تفسير يعاند الواقع، ويريد حشره في مفهوم يداعب عواطف الناس وغرائزهم، ولكنه لا يقدم أي تفسير لطبيعة النظام وقدرته على البقاء أمام الثورة الشعبية.

النظام الطائفي في لبنان نظام أصيل أي شكّل لبنان عليه كي يستقيم الحكم للطبقة البرجوازية التابعة. في سوريا هكذا تفسير لا يستقيم؛ وبالتالي يُنظّر لأوّل مرّة ولكن بخفة لا تحتمل، للطائفية، وإذ كان الطائفيون يفعلون ذلك، فهم بكل الأحوال ينطلقون من فهم ماضوي للمجتمع، المشكلة بتنظير شخصية كالعظم لهذه القضية. هو دون شك سقوط في الفهم الطائفي، وتأسيس للسياسة على أساس الدين. فحالما يتكلم العظم عن نهاية ما للوضع المشتعل يقول سيكون تقريباً كالوضع في لبنان ووفقاً لاتفاق الطائف، أي سيكون الحل طائفياً بامتياز؛ ومن هنا يأتي تمييزه بين "العلوية السياسية" والطائفة العلوية وكلامه عن تشابه السياسية مع المارونية السياسية.

مفهوم النظام العلوي أو النصيري، تكرر كثيراً في أوساط المعارضة الليبرالية والإسلامية بحجة الإخلاص للواقع وإخراج الرأس من الرمال وتفادياً للأسوأ، وطَرحه من قبل العظم يزيد من تعقيد مشكلات الثورة، ودفعها نحو التطييف الواسع، ولا يقدم تفسيراً لعلو المشكلات الطائفية التي تظهر في الصراع بين الشعب والنظام.

الخطاب الطائفي في الثورة يقتصر كما ذكرت على المعارضة المذكورة وعلى الجهاديين، ومن جهة النظام راح يفصل بين الجهاديين وبقية الناس، ويؤكد مراراً وتكراراً على أنّه يواجه مؤامرة كونية وعصابات سلفية والإخوان المسلمين والتكفيريين، ويدفع بممارسات طائفية لإثارة الغرائز الطائفية لدى الشعب، وليس أقلها دوره في إطلاق سراح الجهاديين ودفعهم لتشكيل منظماتهم التكفيرية وربما دوره أكبر في ذلك؛ هذا الميل يراد منه محاصرة الميل الوطني في الثورة، والذهاب بالخيار العسكري والأمني إلى النهاية، وبالتالي إغلاق الطريق أمام الحل السياسي.

العظم بحواره  مع "DW عربية" يقد بنار الطائفية، فهو لا يتكلم عن اللحظة الحاضرة بل إن النظام كان كذلك، ولا يتكلم عن أن الصراع الحالي يستدعي قضايا محددة كما يفعل النظام لينقذ نفسه، بل ويتكلم كذلك على المستقبل وأنه سيكون بالضرورة كما اتفاق الطائف اللبناني أو صيغة شبيهة به. هنا تنهار كل ليبرالية العظم، والرجل لم يعد يسارياً ومنذ زمن طويلاً ولا سيما حينما راح يُنظّر للعولمة وأنها ستجانس العالم وتطوره، وأنّها نقلةً في التطور العالمي متجاهلاً أنها الطور الجديد في الرأسمالية ومن أجل المزيد من النهب تحت اسم النظام العالمي الجديد والثورات العلمية المتنوعة.

كان العظم باحثاً مشاغباً وما زال كذلك، ولكن شغبه الأخير بما يخص "العلوية السياسية" وما يتفرع عنها يجعله يجلس إلى طاولة واحدة مع صديقه القديم أدونيس ولكن في الجهة المقابلة لها، فإن كان الأخير يدافع عن "العلوية السياسية" تحت اسم ضرورة تغيير الثقافة والمجتمع ومن ثم تغيير السلطة، أي دعوا السلطة لحالها وستسقط حالما يحدث التغيير فيما ذكرنا، فإن العظم يدافع عن الطائفية على أرض نقد "العلوية السياسية" وبقية مشتقاتها.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق