شرق سوريا.. خالٍ من السكان

شرق سوريا.. خالٍ من السكان
تحقيقات | 05 أغسطس 2015

انقلبت حياة المزارع فياض البرجس، رأساً على عقب، فابن الشداد بالحسكة، كان يمتلك مساحة شاسعة من الأرض، ويعيش في "بحبوحة"، قبل ارتفاع أسعار الأسمدة، لخمسة أضعاف.

من الحقول إلى تحت الجسور

التقينا بالرجل، أثناء بحثه عن عمل تحت جسر الميدان بدمشق، قرب مسجد الحسن الذي كان محطة للمظاهرات، ضد النظام السوري، حيث التجمع الرئيس لغالبية من هجر أرضه، بسبب ظروف مشابهة، ولجأ إلى العاصمة.

يقول البرجس لروزنة: "كان سعر كيس السماد اليوريا بـ450 ليرة، عندما كان سعر طن القمح 33 ألف ليرة، اليوم كيس السماد بـ2500 ليرة وغير متوفر، وسعر طن القمح ارتفع لأقل من الضعف، ليصبح بنحو 60 ألف ليرة بأفضل أحواله".

أهمية الزراعة

تسهم الزراعة، بتحسين الميزان التجاري عبر دعم الصادرات، وتوفير القطع الأجنبي اللازم لتأمين تمويل مستوردات القطاعات الأخرى، والأهم، أنها تشغّل نحو 31% من القوة العاملة، وتمد القطاعات الأخرى بالعمّال. 

ويحظى هذا القطاع بأفضلية مطلقة، في تأمين مستلزمات زيادة الإنتاج والإنتاجية، وحل العقبات التي تعيق تطوره، وضمن الإمكانات المادية المتاحة، كما‏ يتميز بتعدد موارده الطبيعية والبشرية المنتجة، وسهولة استثمار هذه الموارد، وبتكاليف بسيطة وعائد مضمون.

تاريخياً..

ولدت الزراعة وتدجين الحيوانات البرية، في المنطقة العربية، وكانت سوريا المكان الأول لهذه الحادثة، التي غيرت مسار الحياة الإنسانية، حيث كان اكتشاف الزراعة إعلاناً لبدء الاستقرار والمدنية.

ولأن سوريا بلد زراعي محض، كان الدخول إلى السياسة فيها، يمرّ حصراً عبر المسألة الزراعية، فكل سياسة هادفة ووطنية، يجب أن تعتمد في عمقها على الزراعة، وكل سياسي عبر هذا الباب كان يُعد صاحب مشروع وطني، كأكرم الحوراني، الذي قاد انتفاضة الفلاحين في حماة، بأربعينيات القرن الماضي، ورفع لمصاف القديسين، لدى الفلاحين السوريين.

وبعد الـ2011، ودوران المعارك في سوريا، دُمرت قطاعات الزراعة بالمناطق الشرقية، والتي تعتبر السلة الغذائية للبلاد، وخصوصاً بمحافظات دير الزور والحسكة، لأسباب متنوعة، حيث أحرقت محاصيل الحبوب نتيجة اجتياح قوات النظام السوري، لتلك المناطق. بحجة وجود "عصابات مسلحة".

وتراجعت زراعة الشوندر، خصوصاً في دير الزور ‒مركزها الرئيسي‒ نتيجة ارتفاع كبير في أسعار المازوت وعدم توفره، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وفقدان اليد العاملة، بفعل ملاحقة معظم شباب تلك المناطق، من قبل النظام، واعتقال أعداد كبيرة منهم.

تصحر الأراضي بسبب الظروف الأمنية 

بسبب تلك المستجدات على الساحة السورية، ترك الكثير من السوريين أراضيهم، ولجؤوا إلى الشمال داخل الحدود التركية.

وحول ذلك، يتحدث الطبيب وائل، أحد أبناء مدينة الميادين شرق دير الزور:" البلدة فرغت من سكانها الذين لجؤوا إلى قرى وبلدات مجاورة، وبعضهم لا يزال يفترش العراء وسط ظروف غير إنسانية، ويعانون من ارتفاع درجات الحرارة ونقص الأغذية والمياه".

ويوضح أحد وجهاء المدينة، ويدعى الشيخ صلاح:" النظام لم يجرؤ على التهجير العلني لهذه المناطق، رغم نيته المبيتة لتسليمها لداعش، وللأكراد بالمناطق الشمالية"، ويفسر ذلك:" لأن النظام، لايزال يعتمد على عدد لا بأس به من المجندين في قواته، من أبناء هذه المناطق، والتي لطالما اعتبرت الخزان البشري، الذي يمد الجيش بالمقاتلين، فعمد إلى طرق غير مباشرة لدفع الأهالي للنزوح".

وللثروة الحيوانية نصيبها 

يؤكد مربي الأغنام أبو فارس، أن تناقص أعداد الثروة الحيوانية في بعض مناطق سوريا، يعزى بشكل عام إلى رفع حكومة النظام، دعمها المقصود عن مستلزمات التربية، وعدم اتخاذ الإجراءات الإسعافية، للحفاظ على الثروة الحيوانية.

ويضيف: "حكومة النظام لم تنفذ حملات التحصين الوقائي للأمراض لقطعان المربين، التي كانت سابقاً بشكل مجاني، بذريعة ارتفاع سعر هذه اللقاحات، بهدف حماية القطيع الوطني من الأمراض الخطيرة".

أما مصطفى، ابن منطقة غرانيج في دير الزور، فكان له رؤية ساخرة حول سلوكيات حكومة النظام، حيث قال:" بدل أن تقوم الحكومة بوضع وتطوير تشريعات الحجر الصحي النباتي بما يضمن سلامة الأراضي السورية، من دخول آفات زراعية، والمحافظة على جاهزية الوحدة الجوية الزراعية والطيارين والفنيين، قامت باستخدام هذه الطائرات، لإلقاء البراميل على المدنيين".

ويضيف أن ذلك، أدى لانتشار وتطور الآفات العامة ذات الصفة الجماعية والهجرة الدولية، "الجراد، الجنادب، السونة، فأر الحقل".

مشاريع ناقصة!

المواطن شعلان، من أبناء مدينة عامودا في محافظة الحسكة، عبر عن امتعاضه الشديد، من مشروع نفذته وزارة الزراعة بحكومة النظام، عام 2014.

وبحسب شعلان، تضمن المشروع، تقديم الدعم الاقتصادي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، وذلك ضمن مبادرة الدعم الاقتصادي لمنتجين زراعيين، من أصحاب البيوت البلاستيكية المتضررين، ويؤكد، أن حكومة النظام، خصت به ريف بانياس، دون باقي المناطق الريفية الأخرى في القطر.

ويبدو أن السخرية، أصبحت هي السمة الأبرز لتعبير المواطنين السوريين، عن همومهم، بطريقة سوداوية في تلك المناطق.

حيث تقول براءة من دير الزور: "تقوم الجهات المختصة بتوزيع منح إنتاجية (ماعز – نحل – أغنام – دواجن – خضار حديقة منزلية) لجرحى الحرب، وتدريبهم على كيفية تنفيذ هذه المشاريع، وبالتالي ستساهم في دعم الصادرات الزراعية، وتعويض الخلل المتأتي من تهجير أهالي المناطق الشرقية في سوريا".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق