مقالات الرأي | لأوّل مرة تتدخل تركيا عسكرياً. كانت قبل ذلك تضع شروطاً لهذا التدخل، وتشمل اشتراط محاربة داعش برفض أي شكل للحكم الكردي في سوريا ومحاربة النظام السوري وإسقاطه. كان ذلك قبل انسحاب داعش من تل أبيض، وظهور رغبة كردية لدى حزب البا يا دي بتشكيل إدارة ذاتية تربط بين المناطق التي بها أغلبية كردية، ومحاذية للحدود التركية. هذا مما لا يقبل فيه الأتراك أبداً، وهو من المحاذير. لم يأبه صالح مسلم بذلك. ولم يتعلم من تجربة عين العرب/كوباني كذلك، والتي رفضت تركيا أي تدخل فيها باستثناء السماح لبعض العشرات من بشمركة العراق للمشاركة في المعركة. إذاً التدخل لأنّ تركيا ترفض أي دويلة كردية في جنوبها كما رفضت ذلك في أراضيها، وتريد لكرد سوريا الانضواء في المعارضة السورية، وتأسيس دولة سورية للجميع.
هناك اعتبار أخر للتدخل، ويأتي ضمن التنسيق الأمريكي التركي لما بعد الاتفاق النووي، فتركيا تريد حصةً كبيرة لها في سوريا، وتتخوّف من استمرار السياسة الإقليمية لإيران ذاتها، وفي هذا تتوافق معها أمريكا، وبالتالي يأتي التدخل التركي ضمن إطار إستراتيجية التحالف الدولي ضد داعش، وبجديدٍ يخص تشكيل منطقة عازلة أو كما سمّيت منطقة خالية من داعش، وسيكون فيها حظر جويّ وعودة للسوريين ومكاتب للحكومة المؤقتة وكمركز للجيش الحر. وهذا سيشكل ضغطاً كبيراً على النظام الذي يضعف دون توقف.
هذا الاعتبار سيضغط على إيران لتفهم أن سياستها السابقة بخصوص سوريا انتهت، وفي ذلك لا تفيد ضحكات الظفر لظريف بعد الاتفاق فوراً، ولا الخطاب المكرر لخمينائي عن الشيطان الأكبر، والذي أقلق كيري، وقال أن على ولي الفقيه أن يقرأ الاتفاق النووي مع دولته التي يحكمها. إذاً حان وقت حلِّ الملفات الإقليمية ومنها سوريا. يمكن ملاحظة هذه النقطة من خلال تصريح رأس النظام السوري أنّ لا حلَّ سياسياً في سوريا. أي هناك ضغط من أجل الحل السياسي.
تركيا ليست دويلة تُحركها سياساتٌ متسرعة، وهي ترصد جبهات الشمال في سوريا والجنوب والقلمون التي يخسر فيها النظام تباعاً. فهي تحاذي سوريا بـ900 كيلو متر، والنظام في طور النهاية، وستعمل من اجل تعويض مصالحها التي فقدتها ما بعد 2011؛ إذا التدخل التركي يأتي بوضعٍ جديد في سوريا، يقول: النظام في غاية الضعف، والقوى المناهضة له تتقدم، ومرفوض استغلال الكرد للفراغ الذي سيحدث من قبل قوات النظام أو قوات داعش ذاتها، وأن أوان تقاسم النفوذ في النظام القادم قد اقترب وتفرضه الوقائع على الأرض.
التدخل التركي يأتي كذلك ضمن تحرك أردني لدعم العشائر السورية في الجنوب، وهناك تقدم إسرائيلي نحو مواقع في الجولان المحتل، وضمن ضغط إسرائيلي على أمريكا يفيد أنّ الاتفاق النووي خطأ كبير، والقصد هنا التحفظ عليه ورفض أي تواجد لإيران في سوريا. بل وفي فلسطين وفي لبنان. الموافقة الأمريكية بخصوص المنطقة العازلة، والمتابعة الدقيقة لكل ما يصدر من إيران، توضح أن على إيران تنفيذ الاتفاق النووي وتحضير نفسها للانسحاب من سوريا والتخلص من السياسات الطائفية في كل المنطقة. هذا ما لمسته القيادة التركية ولذلك حدث التوافق مع الأمريكان سريعاً هذه المرة.
الجديد مع التدخل هو نزع أيّة شرعية للنظام، حيث ستتشكل الحكومة المؤقتة على الأرض السورية، بينما ما يزال النظام يعاني عزلة دولية. يفيد مع هذه التغيرات مقالات يكتبها في الصحف الأوربية يكتبها لبيب نحاس، وتؤكد أن أحرار الشام ليست فصيلاً للقاعدة، بل هي تنتهج الإسلام المعتدل. هذا يعني أنّ طلاقاً سيحدث بين تركيا والتنظيمات الجهادية، وأنّ معركة تتحضر في أماكن كثيرة من سوريا ضدها. أي انتهى دورها السابق، والذي تضخم بسبب الخلاف الأمريكي التركي، والآن أصبح الوقت يتطلب وقائع جديدة. تركيا تعود الآن لدعم الجيش الحر، وقد تخسر داعش في الرقة ودير الزور وحلب وتنحصر خلافتها، وكذلك سيحدث الأمر عينه بخصوص النصرة في إدلب وفي بقية مناطق سوريا.
وإذ صح القول ما بعد الاتفاق النووي ليس كما قبله، كذلك يصح القول ما بعد التدخل التركي ليس كما قبله. وبالتالي وكما قال أوغلو، رئيس وزراء تركيا، التدخل التركي سيغيّر الكثير من المعادلات السابقة في المنطقة. المعنى هنا أنّ تركيا لم تعد تحتمل النزاع الطويل في سوريا، والذي سمح بازدياد خطر داعش داخل تركيا وكذلك بالخطر الكردي في جنوبها ومن قبل حزب العمال الكردستاني الذي أنهى إيقاف إطلاق النار بدوره، وكذلك لم تعد تسمح باستمرار اللعب الإيراني في العراق وسوريا.
الجديد هذا سيضغط على روسيا للتحرك سريعاً، وهذا بالضبط ما هدفت إليه أمريكا من التوافق مع تركيا وبعد النووي الإيراني. فأمريكا تريد إبعاد روسيا عن الصين، ومراضاتها في سوريا. المعاندة الروسية القديمة لتغيير النظام ستكون عبثية من الآن وصاعداً، وبتدخل تركيا في سوريا فإن الروس ليس أمامهم وقت إضافي أخر.
التغيير في سوريا قادم، وفق قراءتنا، وإن كل ما جرى منذ سقوط إدلب إلى المنطقة العازلة المزمع تشكيلها مروراً بالاتفاق النووي، يدفع بالأمور نحو الحل. اللحظة الراهنة تتطلب من كل تيارات المعارضة استيعاب ما ذكرناه، وتفعيل نفسها ضمن مشروع وطني يستجيب لأهداف الثورة ومصالح كافة السوريين. الشرط الإقليمي والدولي اقترب من وضع نهاية للحرب فهل تستوعب المعارضة ضرورة مشروعها الوطني من أجل التغيير في سوري، ومن أجل البدء بإنهاء أشكال التدخل في سوريا؟.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".