يستغرب من لم يعايش الوضع السوري، أن يكون لتنظيم داعش تقبل لدى المواطنين السوريين، في مناطق سيطرته من دابق في ريف حلب الشمالي، إلى البوكمال شرق البلاد، رغم الممارسات المتطرفة التي يعانيها سكان هذه المناطق، وهناك أسباب وظروف موضوعية هيأت ظهور التنظيم، ووفرت له بعضَ التقبّل لدى الناس.
توفير الأمن وقتال نظام الأسد
بحسب الشيخ عبد الله من مدينة الباب، فإن تقبل التنظيم في سوريا ينبع من أمرين أساسيين؛ الأمن الذي وفره للمناطق التي سيطر عليها، ولو بالقوة، بعد أن كانت الفوضى الأمنية السمة البارزة لها، حيث عمليات الخطف والسلب والنهب.
ويوضح الشيخ: "فرض التنظيم أحكاماً قاسية على جرائم السرقة والنهب والخطف تبدأ من قطع اليد، وتنتهي بالقتل وصلب الجثة أياماً، فالقبضة الأمنية قامت على بث الخوف في النفوس، لكنَّ هذا الأمن النابع من الخوف لاقى قبولاً لدى شريحة من الناس بل وحبذوه مقارنة مع الفلتان الأمني".
يُضاف لذلك، قيام داعش في الفترات الأخيرة، بعمليات ضد النظام السوري، ويلاحظ أنّ تقبّله يتناسب صعوداً مع العمليات المعادية للنظام.
يقول المحامي مصطفي من ريف حلب الشرقي: "بقي الشارع يشك في وجود علاقة وطيدة بين النظام والتنظيم حتى قيام التنظيم بمهاجمة مواقع النظام في الرقة بالفرقة 17، ومطار الطبقة، وفي الحسكة، وشرقي حمص، إذ انتسبت أعداد كبيرة من السوريين عقب تلك المعارك".
ما تأثير اختلاف المشروع؟
لا يرجع رفض الشارع السوري عموماً لتنظيم داعش، إلى تدخله بتفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، وطريقة عيشهم باسم الدين فحسب، إنما هناك عاملان رئيسيان وراء الرفض الشعبي للتنظيم.
يقول أبو حسن عنصر سابق في الجيش الحر من ريف حلب الشرقي: "خلاف ما يعتقد الخارج فإنَّ هناك أسباباً جوهرية أكثر عمقاً وراء كره المواطنين للتنظيم عدا الأمور الحياتية التي ينظر لها الناس على أنها عابرة في سبيل الوصول للهدف الحقيقي، فالرفض الحقيقي يعود لاختلاف المشروع، وشق صف الثوار".
"يحمل التنظيم مشروعاً مختلفاً عن المشروع الذي خرج السوريون من أجله، في بناء دولة تقوم على الحرية والكرامة"، يقول الشيخ محمد نور، من ريف حلب الشرقي، ويضيف: "لم يتقبل الشارع مشروع التنظيم، لأنه كان مشروعاً مشوهاً، وليس لأنه إسلامي".
وبحسب الشيخ، وجد السوريون أن داعش يعمل على تبخير مشروعهم، كما أن إيمان الناس بأنه تنظيم طارئ وغير باق، دفع كثير من الناس للوقوف ضده.
ويرى زياد طالب جامعي من ريف حلب أن : "استحالة سماح الغرب لتنظيم الدولة البقاء وإقامة دولته المزعومة، أبعد الناس عن تأييد شبح لا يدوم، وأن هذه النقطة هي التي أبعدت الناس من حوله في مناطق الغالبية السنية خصوصاً والمشبعة بالحقد على نظام الأسد".
غير أنَّ العامل المباشر بحسب الطبيب حسام من ريف حلب الشرقي، لاحتقان الشارع السوري ضد التنظيم، يتمثل بشقه لصفوف مقاتلي المعارضة، وحرفه الثورة عن مسارها.
يوضح الطبيب: "زادت عمليات القتل والصلب بحق الثوار من احتقان الشارع السوري ولا سيما الثوري ضد التنظيم، على عكس ما كان يأمله التنظيم من إخماد الأصوات المعارضة له"، ويضيف أن "الشارع السوري يرى التنظيم أقرب للأسد من الثوار".
أما المدرس عبدالله من ريف حلب الشرقي، فعبر عن رأيه:"تحول التنظيم للسندان المساعد لمطرقة الأسد في ضرب الثورة السورية بعد أنَّ سيطر التنظيم على المناطق المحررة، ودفع قسماً كبيراً من الثوار لترك السلاح ومغادرة البلاد".
تقبل طارئ آني فرضته الظروف
يلاحظ أنَّ تقبل السوريين لتنظيم داعش، على محدوديته، طارئ وآني، فرضته الظروف الموضوعية التي تمر بها المنطقة من ظلم، واحتقان طائفي.
وتختلف شعبية التنظيم من منطقة إلى أخرى، وتتأثر بعدة عوامل، مدى ثورية هذه المنطقة، والدماء التي سالت في مواجهة التنظيم، والبعد الديني لأهاليها.
يقول المحامي محمد من ريف حلب الشرقي: "كانت مدينة الباب أكثر تقبلاً للتنظيم رغم ثوريتها، فأهالي الباب معروفين في التدين، فكانت المدينة تعرف بالأزهر الصغير منذ زمن، فاستغل التنظيم هذه الأرضية لبناء فكره التكفيري" ويضيف:" لكن ما لبث أن كشفه أهل الباب على حقيقته بأنه لا يمثل الدين وأنما صورة مشوهة عنه، ولكن بعد سيطرته المطلقة".
ويتحدث عامر المحمد وهو طالب جامعي من دير الزور: "بعد الدماء التي سالت في دير الزور صعب أن يتقبل الناس وجود داعش، فهو قتل إخوتنا، وبقاؤه هو نتيجة قوة السلاح".
داعش أم النظام؟
رغم جرائم تنظيم داعش، التي يراها الناس القاطنون في مناطقه، فأغلبيتهم يفضلون التنظيم على النظام السوري.
يقول المدرس جميل من ريف حلب: "تنظيم داعش سيء ولكن النظام هو الأسوأ، الشباب مطلوبون للنظام سواء للخدمة الإلزامية أو كانوا ثواراً وعناصر جيش حر بالإضافة إلى أن النظام هو من أوجد داعش وإذا عاد النظام ليس حلاً ستقوم ثورة ضده وكأنك يا أبا زيد ما غزيت".
فيما يرى المحامي علي: "تعبت الناس من الحنث بالوعود التي أعلنتها دول العالم بمحاربة تنظيم داعش، حتى فقدوا الثقة بهم، والناس اليوم يعودون أنفسهم لقبول ديكتاتورية داعش ليستمروا بالحياة ومن لم يستطيع فالسفر هو الباب الوحيد للخروج".
يذكر أن سمعة داعش حول قوته، تناقصت عقب معارك عين العرب "كوباني"، وخسائره في العراق.
يقول الناشط أبو عمر من ريف حلب: "يتغذى التنظيم على بقاء الأسد وغياب الحل السياسي في سورية، ويتغذى في العراق على جرائم الميليشيات الشيعية التي تستفز الشارع السني، فشعبية التنظيم ليست راسخة، وتخضع للتقلبات والظروف لأنه لا إيمان حقيقي بفكره إلا عند فئة قليلة جداً".