تشكيلات متعدّدة وإخفاقات سياسيّة متجدّدة!

تشكيلات متعدّدة وإخفاقات سياسيّة متجدّدة!
القصص | 01 أغسطس 2015

حقّقت فصائل المعارضة السورية المسلحة، بتلاوينها المختلفة (الإسلامية المتشددة، والأكثر تشدّداً، وما تبقّى من الجيش الحر)، مكاسب ميدانية هامّة في الآونة الأخيرة، وسيطرت على مزيد من المناطق السورية، بخاصة في شمال البلاد وجنوبها. وفي مقابل نجاحات المقاتلين على الأرض، وكذلك أمام ازدياد نفوذ المجاميع الجهادية، يتفاقم تشرذم "المعارضة السورية".

تتخبّط المعارضة اليوم في "أزمة" جديدة، قد تلقي بظلالها على أجنحتها العسكرية. تدور خلافات حول تشكيل قيادة عسكرية مشتركة جديدة، في ضوء المتغيرات الميدانية الأخيرة. طفت الخلافات على السطح بعد قرار "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" "تجميد" المجلس العسكري السابق، ثم انقسام أعضاء المجلس المجمّد إلى فريقين، حيث يواصل بعضهم التنسيق مع الائتلاف، فيما عمد بعضهم الآخر إلى تشكيل قيادة عسكرية عليا جديدة بالتعاون مع "مجلس قيادة الثورة السورية" ذي الصبغة الإسلامية.

في التفاصيل، عُقد اجتماعان متزامنان في 10 حزيران (يونيو) الفائت، أحدهما في عمّان بحضور خالد الخوجة، رئيس الائتلاف المعارض وبعض قادة "الجبهة الجنوبية"، وجرى الاجتماع الثاني في مدينة الريحانية على الحدود السورية التركية، حضره قادة عسكريون وأعضاء من الائتلاف، إضافة إلى "شخصيات بارزة" كالشيخ معاذ الخطيب ورياض سيف، وبمشاركة ممثلين عن "مجلس قيادة الثورة". أُعلن حينها أنّ الغاية من الاجتماعين التوصّل إلى اختيار مندوبين عن المجموعات العسكرية الفاعلة، لينضمّوا إلى الائتلاف كممثلين عن فصائلهم العسكرية، إضافة إلى تشكيل مجلس عسكري جديد تتمثّل فيه كبرى التشكيلات العسكرية، ليكون نواة "جيش وطني"، يعمل تحت إشراف الحكومة التابعة للائتلاف.

بدا واضحاً أن الاجتماعين لم يسفرا عن التفاهم المطلوب لتحقيق الأهداف المعلنة. فبعد أيام قليلة، وخلال الاجتماع الدوري لهيئته العامة، أصدر الائتلاف قراراً يقضي "بتجميد" المجلس العسكري السابق مع الإبقاء على ممثليه داخل الائتلاف، واعتماد آلية لتشكيل المجلس الجديد، من خلال تأليف لجنة من تسعة أعضاء يمثلون كتل الائتلاف، على أن تخلص اللجنة إلى وضع صيغة المجلس العسكري الجديد خلال شهر واحد.

غير أنّ أعضاءً من المجلس السابق عادوا ليعلنوا من مدينة الريحانية التركية عن إعادة هيكلته، بدعم وتعاون من "مجلس قيادة الثورة"، وذلك يوم 19 تموز (يوليو) الجاري. وقد أكّد المجلس الجديد المؤلف من ثلاثين عضواً، رفضه قرار الائتلاف حلّه في الشهر الماضي، مستنداً إلى النظام الداخلي للائتلاف نفسه، والذي يُفترض أن يمنعه من الهيمنة على مجلس القيادة العسكرية. سارع الائتلاف إلى الرد في اليوم التالي، بإعلان رفضه التام لمجلس القيادة العسكرية العليا المُعلن في الريحانية، ووصف المتحدث الرسمي باسم الائتلاف ما جرى في الريحانية بأنه "محاولة لتضليل الرأي العام". كما أصدرت "الجبهة الجنوبية"، وهي الجسم الأساسي الأهمّ المتبقّي من "الجيش الحر"، بياناً رسمياً نفت فيه علاقتها بالمجلس الجديد، على رغم

إعلان المجتمعين في الريحانية أنّه يضمّ ممثلين عن الجبهات السورية كلّها. وأكد بيان "قيادة الجبهة الجنوبية" استمرارها في قتال النظام "بعيداً عن الصراعات السياسية والارتباطات التي لا تخدم مصلحة الشعب السوري".

من الجدير ذكره، أن "مجلس قيادة الثورة السورية"، الذي له دور بارز في تصعيد الخلاف الحالي، تأسس ليكون "الجسم الموحد للثورة السورية"، وفق ما صرّح مؤسسوه عند إعلان تشكيله أواخر العام الماضي، وقد جاء تتويجاً لمبادرة حملت اسم "واعتصموا" أُطلقت بهدف توحيد الفصائل العاملة على الأرض. ومنذ البداية، أعلن أصحابه عزمهم على "إدارة المرحلة الانتقالية لحين تسلم ممثلي الشعب للسلطة"، وليس هذا مستغرباً، لأن اسم المجلس يفصح عن غايته الحقيقية: "مجلس قيادة الثورة السورية".

بدا "مجلس قيادة الثورة"، منذ تأسيسه، وكأنّه محاولة لسحب البساط من تحت الائتلاف المعارض، وكسر احتكاره صفة "الممثل الشرعي الوحيد" للشعب السوري. يتأكّد هذا عند النظر في تكوينه، حيث ضمّ مجموعات مسلحة سبق لها أن أعلنت رفضها الاعتراف بالائتلاف، بل واتهمته بالعمالة للغرب و"التآمر على الثورة"، وذلك في بيان صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، وأعلن موقّعوه إقامة "دولة إسلاميّة عادلة" في مناطق حلب وريفها. كما ضمّ "مجلس قيادة الثورة" بعض الجماعات الإسلامية المسلحة التي شاركت في التوقيع على "البيان رقم1"، الصادر في أيلول (سبتمبر) 2013، حيث رفض موقّعو البيان الاعتراف بالحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، ودعوا كافة القوى المدنية والعسكرية إلى "التوحّد ضمن إطار إسلامي واضح يقوم على أساس تحكيم الشريعة وجعلها المصدر الوحيد للتشريع".

يبقى القول، إنّه مع تعدد "المستثمرين" في الحرب السورية، فإنّ أيّ كلام عن "توحيد" الموقف العسكري والسياسي لا معنى له. وكما يتنوّع التمويل والاستقطاب في الهيئات السياسية للائتلاف وحكومته المؤقتة وسواهما من التجمعات السياسية، كذلك حال الفصائل المسلحة في توزّع ولاءاتها. وفي وقت تعمل التنظيمات الجهادية بدأب لتعزيز سلطتها في مناطق سيطرتها، مثل "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية"، فإنّ "الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري" و"مجلس قيادة الثورة السورية" يتنازعان على قيادة عسكرية كرتونية، ليست أكثر من باب ارتزاق جديد على حساب دماء السوريين وتضحياتهم.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق