حمص.. رمضان المسلمين في وداي النصارى

حمص.. رمضان المسلمين في وداي النصارى
تحقيقات | 12 يوليو 2015

رمضان في وادي النصارى لا يشبه مثيله في باقي المناطق السورية، لا جوامع تؤذن بالصلاة ومواعيد الإفطار، لا موائد رمضانية، ولا تسهيلات في العمل للصائمين.

لا شيء يدل على حلول رمضان في المنطقة الواقعة غربي حمص وسط البلاد، حتى مطاعم المأكولات السريعة التي افتتحها مسلمون تعمل في أوقات الصيام.

كما كل صباح باكر، يعلق مصطفى قطع الدجاج على سيخ الشواء، يشتري الخبز وباقي مستلزمات سندويشة الشاورما، ليبدأ في غضون الواحدة ظهراً بتقديم وجباته، يقول لـ"روزنة"،  إنه "وضع جديد.. لا أحد يصوم هنا.. فلماذا نغلق المطعم إذاً".

قتيبة، شاب حلبي يدرس في إحدى جامعات المنطقة ويسكن مع صديقين له من إدلب وحماة، ابتعاده عن عائلته جعله يترك الفريضة التي اعتاد عليها، يقول: "حاولنا أن نصوم ولكن لم ننجح.. الأمر صعب عندما لا يكون ضمن العائلة"، ويتابع "حتى أهلي في حلب يمر رمضان صعباً عليهم بسبب غلاء الأسعار والوضع الخدمي والأمني السيء.. الأمر لم يعد مهماً.. المهم هو بقائهم على قيد الحياة".

رغم اغتراب الأجواء الرمضانية عن المنطقة، لا تزال أم عامر التي نزحت من حلب بعد تردي الأوضاع هناك، تحتفي برمضان، تعد أشهى الأطباق، تحضر شراب السوس، وتنتظر مع العائلة وقت الإفطار، تقول لروزنة: "نواجه صعوبة في تحديد وقت الإفطار ووقت الإمساك، فما من مؤذن قريب ولا شاشات تلفزيون تعمل وقت التقنين تطلعنا بحلول الافطار.. نعتمد أحيانا على تعليمة موبايل من بعض الأقارب في حماة".

صعوبة في التأقلم

حسب إحصاءات، يعيش ما يقارب الثمانية آلاف مسلم في قرى وادي النصارى، ورغم مضي سنوات على البعض منهم في المنطقة، إلا أن معظمهم لم يجد فيه مكان مناسباً للبقاء والعيش.

تؤكد علياء، وهي نازحة من حمص وتقيم مع أهلها في بلدة الحواش منذ السنتين تقريباً، أنها تتعرض أحياناً لمضايقات تتناول شكلها كمحجبة، بعضها يأتي في نظرات وإيماءات ازدراء، وآخر بتعليقات حادة على لباسها، من ناحية أخرى تقلق الشابة التي جاوزت الثامنة والعشرين على مستقبلها في حال بقيت في وادي النصارى، فحسب قولها، لا متقدمين إليها للزواج في المنطقة المسيحية، ولا وجود لأصدقاء.

دواعش وعلينا طردهم

يجاهر وسيم بمناداته ثلاثة نساء محجبات كانوا قد مروا أمام منزله "يا دواعش"، يؤكد الشاب الذي علق في رقبته "الزوبعة" (شعار الحزب القومي السوري الاجتماعي المنتشر في المنطقة)، أنه سيحرص على تكرار فعلته في كل مرة تسنح له الفرصة.

هذا التصرف ليس بغريب، فوسيم ينتمي إلى عقلية لا بأس بحجمها، تؤمن أنه على أهل وادي النصارى التخلص من الوافدين المسلمين بالكامل لأنهم لن يجلبوا لهم سوى المزيد من الدواعش والمزيد من المشاكل. لايتوقف ابن الثلاثين عند هذا الحد، بل ينتقد بشكل متواصل الكنيسة وتصرفات بعض رجال دين في المنطقة في كل مرة يساعدون مسلمين ويؤمنون لهم ملاجئ وفرص عمل.

الاكتفاء بتأجيرهم

بطابع بعيد عن الحدة، ترى ليليان، من أهالي الوادي، أنه "من الجميل الحفاظ على خصوصية الوادي وعدم بيع الطوائف الأخرى عقارات في المنطقة، والاكتفاء بتأجيرهم"، ومن هنا يحرص سكان المنطقة بطريقة شبه علنية، على عدم بيع غير المسيحي أي شقة أو عقار دون الاضطرار إلى تبرير ذلك أمام أحد.

اقتصاد أفضل وانفتاحاً أكبر

من جهته يشيد طارق بالعلاقة الطيبة التي تجمعه بجيرانه الجدد "بيت أبو محمد"، يضيف الشاب "أم محمد أصبحت جارتنا المفضلة، تزورونا باستمرار، كما نحن نفعل ذلك، أنهم أناس طيبين كما أغلب المسلمين المتواجدين هنا، وعلى أهل المنطقة احتضانهم" ولفت الشاب إلى أنهم يساهمون في تحسين اقتصاد المنطقة، وجعلها أكثر انفتاحاً.

وبنظرة مستقبلية يضيف طارق "أعدادهم قليلة ولا يؤثرون على تركيبة المنطقة، كما يقيمون بصفة مؤقتة وهذا يريح أهل المنطقة نسبياً"، متسائلاً "ماذا سيحصل لو ازداد عددهم، وأرادوا التحلي بصفة مقيم دائم، لن يكون ذلك سهلاً على سكان المنطقة الذين حافظوا طيلة سنوات على لون طائفي واحد".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق