ماذا عن الإصلاح الديني للأقليات؟

ماذا عن الإصلاح الديني للأقليات؟
القصص | 04 يوليو 2015

أمام تغوّل الإجرام الطائفي الذي تقوم به دولة العراق والشام الإسلامية من الجانب السني والميليشيات والأحزاب الشيعية من الجانب الشيعي، تتكاثر التحليلات حول أهمية ودور الإصلاح الديني مع جزم قاطع وصحيح بأن هذا الربيع لن يصل شواطئه السعيدة دون ثورة دينية (على الموروث اللاعقلاني) تهز الأسس التي يستند عليها الاستبداد السياسي.

إلا أن المتابع لهذا الخطاب الصحيح في ظاهره، القاصر في باطنه، يبيّن أن أغلب النقد ينصب هنا على الموروث الديني السني أولاً والشيعي ثانياً دون أن يصل إلى الموروث الديني للأقليات، مستندين في ذلك على مقولة جوفاء تقول بأن إصلاح دين الأكثرية كفيل بدفع الأقليات التي تشعر بالخوف، والتي تميل إلى "رؤية علمانية" (وفق بعض المدافعين) إلى أن تطلّق السلبي من موروثها الديني، فنقفز إلى دولة المواطنة!

غالبا ما تصدر هذه الرؤية عن "علمانيين" يفترضون أن الخطر ماثل لدى طغيانية دين الأكثرية، إذ يكفي إصلاحه لتجد الأقليات نفسها منخرطة في المواطنة لأن الأكثرية كفت عن أن تنظر لها كأقلية! لكن ماذا عن نظرتها هي لنفسها كأقلية؟ ماذا عن موروثها الديني الذي يخدّر أفرادها ويبقيهم في دائرة "الأقلية الطائفية" بدلاً من المواطنة، وينظر للآخر المختلف دينيا نظرة شيطانية تخوينية؟.

تفترض الرؤية السابقة أن الإصلاح الديني يهدف إلى تحديد علاقة الدين مع الدولة والسياسة في مستوى أول، وإلى دفع الأغلبية لتنظر إلى الأقليات كمواطنين في مستوى ثان، دون النظر إليه باعتباره مدخلا للانتقال من دائرة الرعية إلى دائرة الفرد، المواطن الحر، أي أن الإصلاح الديني أول ما يستهدف أفراد الرعية نفسها للنظر إلى أنفسهم كأفراد يكسرون حجب الجماعة وحواجزها باتجاه المجتمع الذي قوامه الفرد الحر.

غياب هذا الأمر عن معنى الإصلاح الديني عربياً، هو ما يدفع الجميع إلى إغفال ضرورة الإصلاح الديني للأقليات، فيقتصر إلى إصلاح دين الأكثريتين الإسلاميتين (شيعة وسنة) لنكون أمام نسخة محدثنة عن مقولة "حماية الأقليات" التي تقسم المجتمع عمودياً إلى أكثرية يجب إصلاح دينها لحماية أقليات لا تقل عقائدها ونصوصها تزمتاً وانغلاقاً وتحجراً وتعصباً وتكفيراً نحو الآخر، دون أن ننفي الجانب الروحي الإيجابي في كل الأديان طبعاً، والذي يهدف الإصلاح الديني إلى تحريره عموماً من سطوة الجانب اللاعقلاني.

إن ممارسات السلطات المستبدة التي تستند إلى بعد طائفي أقلوي (سوريا والعراق مثلاً) دون أن تكون طائفية بالضرورة، ما كان لها أن تفعل هذا الإجرام القاتل دون استنادها إلى موروث الأقليات الدينية في جانبه السيء لتظهيره وتحويله إلى إيديولوجية تحشيد بوجه الآخر الذي تحاربه السلطات. فخوف الأقليات التي تبرر وقوفها خلف السلطات بحماية نفسها من الآخر، هو في أحد جوانبه تعبير مكثف عن نظر الأقلية لنفسها كأقلية دينية بعيدا عن دائرة المواطنة، وهو أمر ما كان ليكون لولا تحكم الموروث الديني الذي لم يجر إعمال مبضع النقد فيه، والذي لا يقل سلبية في النظر إلى الأكثرية عما تنظره الأكثرية لها، الأمر الذي يعني أن الإصلاح الديني سيبقى مبتوراً وغير ذي نتائج ما لم يشمل كافة الأديان والطوائف والعقائد لتحريرها من السحري واللامعقول فيها.

ثمة سحر آخر يخيّم على العقل العربي في هذا المجال، إذ غالباً ما يتركز النقد على الموروث الديني للسنة والشيعة باعتبارهما المعطلين لعملية الإصلاح، داعين رجال الدين وأبناء هذه الأديان إلى اتخاذ خطوات شجاعة باتجاه الإصلاح المرجو، علما أن ثمة محاولات كثيرة جرت في هذا السياق منذ تجربة محمد عبدة والأفغاني وليس انتهاءاً بسيد القمني ونصر حامد أبو زيد ومحمد شحرور وحسن حنفي على المستوى السني، وأحمد القبانجي وأحمد الكاتب ومحمد حسين النائيني وعلي شريعتي (القائل: علينا أن نسلك لمعرفة الدين المنهج نفسه الذي سلكه المناوئون للدين)، مهدي بازرجان، عبدالكريم سروش..على المستوى الشيعي، في حين لا نجد أي صوّت إصلاحي داخل الأقليات (علوية، درزية، إسماعيلية..) أو الأديان (المسيحية المشرقية) أو حتى مطالبة بها، والأكثر مفارقة أن الكثير من "مثقفي" هذه الأقليات هم أشد المطالبين بإصلاح دين الأكثريات في حين لم يتجرأ أي منهم على إعمال النقد في عقائد طائفته أو الدعوة إلى إصلاحها!.

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق