تجلس هناء، وهي تعانق طفلها الأول الذي لم يتجاوزه عمره الـ60 يوماً، تنحني عليه كما لو أنها تريد الانطواء على ذاتها، متحدثةً عن علاقتها بزوجها، الذي توفي في سجون النظام السوري، دون معرفة سبب اعتقاله.
ترددت في البداية أن تتكلم، لكن بعد ذلك بدأت بشكل متقطع في الحديث: "أحببته بمثل هذه الأيام، وتزوجنا ليعتقل بعد زواجنا بحوالي شهر ونصف، واكتشفت عقب الشهر الأول من اعتقاله أنني حامل، وبقيت على أمل خروجه من السجن، إلى أن سلمنا الأمن ورقة وفاته، وقالوا إنه دفن في نجها".
وتؤكد هناء، أنها دائماً كانت تخاف من موت زوجها بالسجن، وهذا ما حدث، وتتساءل: "ماذا سأقول لطفلي حين يكبر ، الذي لم يعرف والده، ولا هو سيعرفه إلا بالصورة؟".
وتضيف: "ترملت بعز شبابي، وأصبحت سلعة الكل يريد أن يتزوجني بحجة السترة، لكنني لم أوافق ليس لأنني لا أريد الزواج مرة ثانية، لكن أخاف أن أترمل من جديد، وغير ذلك كله أجبرنا على اللجوء إلى تركيا بعد أن نزحنا من منزلنا الذي قصف في الزبداني بريف دمشق".
قصة هناء، تشبه قصص أرامل شابات كثيرات، والفارق بينهن هو وجود الأطفال من عدمه، وبعضهن يقبل الزواج مرة أخرى هرباً من المجتمع "وكلام الناس"، ومتابعة تربية أطفالهن، أو إنجاب طفل، لكنهن جميعاً يتقاسمن شعور "الخوف والحزن".
ثمن باهظ
تدفع النساء السوريات ثمناً باهظاً جراء الحرب الدائرة في سوريا، والعديد منهن فقدن أزواجهن، وأخريات قمن بمغادرة منازلهن وترك أعمالهن، ومنهن من قتلن.
ووصل عدد القتلى من النساء على يد قوات النظام السوري، إلى أكثر من 5 آلاف امرأة، في حين قتلت التنظيمات المتشددة حوالي 213 امرأة، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وتقول آخر إحصائية للشبكة، إن عدد النساء اللواتي فقدن أزواجهن وصل لأكثر من 17 ألفاً، وهناك أكثر من 15 ألف امرأة، يعتبر أزواجهن في عداد المفقودين قسرياً.
واليوم بحسب الأمم المتحدة، بعد موجة القتل الكبير في سوريا وفقدان النساء لأزواجهن، فإن واحداً من بين كل 3 منازل في سوريا، المسؤول عنه امرأة.
الحل لدى البعض "زواج ثان"
بعض الأسر وجدت في إعادة تزوج بناتهن اللواتي فقدن أزواجهن وسيلة، للستر عليهن، خاصة أن بعضهن ترمل في عمر صغير، رغم المخاوف بأن يكون الترمل مصيرهن من جديد.
والتي تفقد زوجها، في اعتقاد أغلب الأسر، تحتاج إلى من يحميها خاصة في واقع سوريا الحالي، وكذلك الوضع المعيشي الصعب والغلاء، يدفعان بالأهل لتزويج أبنتهم الأرملة، كونها تشكل عبئاً عليهم كما يرون، خاصة إن كان لديها أطفال.
"انتهى زواجي الأول بعمر الـ23 سنة بعد أن قتل زوجي بالحرب لأنه كان متطوعاً باللجان الشعبية، وتقدم لي رجل عمره 55 سنة وأهلي طلبوا أن أوافق، لأن حالتنا المادية ضيقة ومن باب الستر، أنت أرملة وما رح يجيكي شب أعزب"، هكذا تحدثت سهير عن حالتها، بعد مقتل زوجها.
وتقول: "أوهم نفسي أني سعيدة بزواجي الثاني، لكنني لا أستطيع أن أنسى زوجي الأول، رغم أنه تزوجنا بطريقة تقليدية، لكن هذا قدري وأنا مقتنعة به".
وعادة ما ترفض النساء الزواج من جديد بعد وفاة أزواجهن، لكن الحرب أثرت بشكل جذري على ذلك، لفقدان المعيل والأوضاع المعيشية الصعبة، لكن رغم ذلك، بعض النساء يرفض الزواج مرة أخرى.
وهذا ما حصل مع نور ذات الـ38 عاماً، التي توفي زوجها في ريف حلب، وهي أم لـ4 أطفال، قائلةً: " أنا راضية بقسمة رب العالمين، وهمي الآن تربية أطفالي، لا أريد الزواج مرة أخرى لأنني سأخسر أطفالي".
أتراك يستغلون آرامل سوريا
يبدو أن النساء اللاتي فقدن أزواجهن، ليسوا مُستغَلاتٍ في داخل سوريا فحسب، بل أيضاً في دول الجوار، حيث سجلت بعض الحالات لقيام الأتراك بالزواج من سوريات مرملات، وأنجبوا منهن أطفالاً، لكن المولود الجديد يسجل على اسم زوجة التركي الأولى.
رئيس اتحاد المحاميين السوريين الأحرار غزوان قرنفل، وفي تعليقه على هذه النقطة، قال: "إن الأتراك يلجؤون إلى هذه الطريقة، كون القانون التركي يمنع تعدد الزواجات".
وأضاف قرنفل "أن المرأة السورية التي تتزوج من رجل تركي يكون لديه زوجة أخرى، عقد زواجها يكون باطلاً"، موضحاً "أن الرجل التركي في حال تزوج بأخرى، فإنه يعاقب بموجب المادة 237 بالقانون التركي، هو والمرأة التي تزوجها، بالحبس لمدة 6 أشهر"، لافتاً إلى أن الاتحاد لم يوثق بعد أي حالة من هذا النوع رغم وجودها.
وأشار إلى أن أكثر حالات زواج السوريات من أتراك منتشرة في المناطق الحدودية، مبيّناً أن الاتحاد يعقد سلسلة من الندوات في هذه المناطق لتوعية النساء بمخاطر الزواج من الأتراك المتزوجين.
أين المنظمات والجمعيات الداعمة؟
تحولت آلاف النساء اللواتي فقدن أزواجهن نتيجة الحرب بسوريا، إلى بائعات في الشوارع، سواء في الداخل أو بدول اللجوء، من أجل توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش لأولادهن.
أم وليد، إحدى السيدات التي افترشت الطريق ببعض زجاجات المياه والمحارم في شارع يوسف باشا بمدينة استانبول، تقول لروزنة: " طلبت مساعدة الجمعيات لكن ما حصلت عليه لا يكفيني أنا وأولادي الخمسة".
وتتابع أم وليد، "ما نحصل عليه هو الطعام، والمعيشة ليست أكل فقط، هناك أشياء أخرى يجب أن نؤمنها، لذل اضطررت لبيع المياه والمحارم في الطرقات"، وتختم حديثها: "ما أقوم به عمل وليس عيباً، أنا لا أشحد ولا أطلب من أحد أن يشتري بالغصب أو الشفقة".
وعلقت الخبيرة الاجتماعية سهير عثمان على موضوع الأرامل والأرقام التي نشرت حولهن قائلةً، "هذه الأرقام تعتبر تقريبية والكارثة في الحقيقة تعتبر أكبر بكثير داخل سوريا، والترمل وقتل الأطفال في سوريا مرشح للزيادة".
وأشارت إلى ضعف التنسيق بين منظمات الإغاثة، مبيّنةً "أن الأموال والمساعدات لا تصل إلى مستحقيها، ولا يوجد مساعدات مخصصة للأرامل لإعانتهم".