مدينة السلمية بين نارين تبحث عن طوق النجاة

مدينة السلمية بين نارين تبحث عن طوق النجاة
القصص | 16 يونيو 2015

ما بين الانتماء إلى وطن، في دولة مواطنة تسودها الديمقراطية، حيث ينعم الجميع بشكل متساوي بالحماية، وغيرها من الحقوق الأساسية، وبين الانتماء لهذه الأقلية أو تلك في المجتمعات الاستبدادية،حيث تكون الأقلية مهددة دائما لأغراض سياسية، في سعي السلطة للسيطرة على المجتمع، تستخدم وسائل بث التفرقة والفتنة بين مكونات المجتمع، وتغليب الانتماء الفئوي على الانتماء الوطني، لتعزيز الخلاص الفردي والفئوي الذي يعزز الولاء للسلطة وليس للوطن، أما في ظل النزاعات المسلحة والثورة، تعمل هذه الأنظمة على ضرب الأهداف المشتركة الجامعة ضد سلطة الاستبداد، نحو  الحرية والعدالة، وتوجيهها لحماية الأنظمة المهددة، بنقل عبء التهديد ضد الأقليات، لدفع الأقليات للتحرك بغريزة القطيع، بدافع الحماية المشروطة بالولاء المطلق.

على أطراف بادية الشام تقع مدينة السلمية، على حوض تحيط به الهضاب والجبال، فمن الجنوب هضبة السطحيات التي تمتد من الغرب إلى الشرق، ومن الشرق جبال البلعاس، ومن الشمال جبال العلا، ومن الغرب مرتفعات الهضبة الكلسية التي تشكل حاجز يفصلها عن حوض العاصي.

بهذا الموقع الاستراتيجي جذبت سلمية قوافل التجار عبر العصور، كونها تشكل عقدة وصل بين الشرق والغرب. موقع آخر على من درجة الأهمية الطريق القادمة من حلب إلى السفيرة -سلمية حتى الرستن، ثم تتجه إلى دمشق أو لبنان عبر جبال القلمون. لهذه الأسباب أخذت سلمية أهميتها عبر العصور ولهذه الأسباب تتعرض حالباً للتهديد وخطر الغزو.

في عهد سلطة الاستبداد، تم تهميش السلمية المدينة وريفها، حيث بقيت آثارها القديمة مدفونة ومهملة، كما غاب الاستثمار الصناعي والتجاري من قبل الدولة عنها، مع ضعف مصادر الثروة الخاصة بالأفراد، حيث تشكل الزراعة عاملاً مساعداً في حياة الأسرة، بسبب شح المياه.

كل ذلك دفع الشباب إلى الهجرة الدائمة في أنحاء سوريا وإلى الخارج بحثا عن عمل، حيث العمل الوظيفي المأجور هي وسيلة معيشة أغلبهم.

الاهتمام بالعلم والثقافة، أكسب المنطقة درجة من الوعي جعلها عصية عن التدجين، لقد تعرضت نسبة كبيرة من أبناء وبنات السلمية للإضطهاد السياسي بالاعتقال والملاحقة والتحقيقات، إضافة إلى إبعاد الموالين منهم عن مركز القرار في السلطة، وخاصة سلك الجيش.

وإن كانت السلمية تشكل مركزاً للطائفة الاسماعيلية في سوريا، إلا أنها في الواقع مختلطة طائفياً بين السنة والاسماعيليين، سواء في المدينة أو الريف، ومن الظواهر اللافتة أن العائلة الواحدة تنقسم بين أب سني وأم اسماعيلة والأولاد موزعين بين الطائفتين، ومن السهولة أن يترك الاسماعيلي طائفته إلى أخرى دون تبعات اجتماعية مؤثرة.

يوجد اندماج وتعايش ما بين الطوائف المقيمة في السلمية، كما أن ظاهرة الخلافات السياسية بين معارض وموالي في العائلة الواحدة، شائعة ما يشير إلى أجواء  من الديمقراطية تسود العلاقات بين أبناء المدينة، على الرغم من تأثير الأوضاع السائدة على حدة الاستقطاب والمواقف الفردية التي تصل حد الخصام، سواءً سياسياً أو طائفياً.

وما أن بدأت شرارة الحراك الثوري في سوريا، حتى اتفقت الأطراف المختلفة "معارضة وموالاة" في مبادرة أهلية، حيث تم لقاء الرئيس وطرحوا مطالبهم، التي تتلخص   بتحسين الوضع المعيشي المزري في المدينة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين من أبناء المدينة.

 اتجه الحراك إلى مرحلة جديدة وأخذ الاستقطاب يزداد حدة بين أطراف السلطة والمعارضة في المدينة، وجذب تيار التغيير الثوري مزيداً من الناشطين، وأصبح تقليداً أسبوعيا، أن يجتمع شباب السلمية في مظاهرات، بمشاركة واسعة، وكان القمع سيد الموقف، حيث تم اعتقال مئات الناشطين السلميين من قبل أجهزة الأمن، وتعرض المتظاهرون للضرب وتم تفريقهم بالقوة.    

عملت السلطة على الحشد والتعبئة في صفوف اللجان الشعبية، تحت عنوان حماية المدن والممتلكات، كان صداها في البداية محدودا وقليل الفاعلية والتأثير، وجذبت إليها أعدادا من العاطلين عن العمل، ومنذ بداية 2012 جرت محاولات زرع فتن طائفية بحوادث مفتعلة ولكن تم فضحها. 

حدثت منذ بداية عام 2012 عدة تفجيرات ضرب واحد منها المشفى الوطني، راح ضحيته العشرات، كما سقطت عدة صواريخ وسط مدينة سلمية، في محيط إحدى المراكز الدينية، بالقرب من ساحة اتخذها الشباب للاجتماع والتظاهر اليومي، وأدت إلى مقتل ستة عشر مواطناً وجرح عشرات آخرين، والوقائع حينها كانت تشير إلى ضلوع النظام بهذه العملية، لإخافة أهالي المدينة، وإثارة الفتنة الطائفية، ومن أجل الحشد والتعبئة في صفوف النظام، خاصة أن القوى التكفيرية لم يكن لها وزن حينها.

ومع تطور عمل لجان "الدفاع الوطني"، برز صراع أصبح مكشوفاً، بين مراكز قوى تتنافس على النفوذ والسيطرة وفق هرمية القوة والولاء للنظام، حيث شكل الفرع الذي يديره آل سلامة التابع للقوى الجوية، الذراع الأطول والأكثر سطوة، وانسحبت القوى الأمنية من المدينة، وسلمت مهام القمع إلى اللجان، التي قامت بملاحقة الناشطين ومراقبتهم واعتقالهم وتعذيبهم، وكتابة التقارير بهم، وتم فصل عشرات من المعارضين من وظائفهم، نتيجة لذلك.

وباتت اللجان، تمثل السلطة العليا في المدينة، في الرقابة على توزيع المواد الإغاثية والمازوت والبنزين.. إلخ،  وأصبحت لها حصة الأسد من ذلك كله، هذا الوضع الأمني ​​الضاغط، أوقف الاحتجاجات السلمية، ودفع الشباب المعارضين إلى مغادرة البلاد.

انضم إلى المغادرين والمهاجرين، آلاف الشباب الرافضين الخدمة الالزامية، أضف إلى ذلك مئات العائلات التي باعت أملاكها وهاجرت، فإن كان النزوح القسري سمة للواقع السوري هرباً من القصف العشوائي للمناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، فإن النزوح لشباب مدينة السلمية جاء نتيجة الضغط الأمني، ​​خوفا من الاعتقال والملاحقة. وهروبا من الخدمة الالزامية، ونتيجة قلة فرص العمل، وخوفاً من السرقة والخطف، بعد أن صار حاميها حراميها، كل ذلك جعل المنطقة تفتقر للكثير من الكفاءات العلمية خاصة الأطباء، بل تفتقر حقيقة إلى الشباب.

إن الوضع الاقتصادي في السلمية تأثر بقطع الأوصال بين مناطق خرجت عن سيطرة النظام، حيث شكلت سلمية وريفها سوقاً لمنتجات الأغنام والألبان واللحوم،  لجماعات البدو التي تقطن حولها، وهذا ما جعلها تتعايش مع هذه الجماعات تاريخيا.

الوضع القائم ساهم في إفقار المنطقة ووقف الأعمال القليلة أصلاً،  إضافةً إلى النازحين الذين خسروا أملاكهم ويحتاجون المساعدة، ناهيك عن المنكوبين، من القرى المجاورة.

وبعد أن قويت داعش وتمددت في مناطق من شرق حمص، وعلى الطريق المؤدي لحلب والسطحيات وأخيرا تدمر، أصبح تهديدها علنا لأهالي السلمية، وقد حدثت العديد من أعمال  الخطف والقتل في الأراضي الزراعية المتاخمة، كما تعرضت سلمية وقرية المزيرعة والكافات للقصف، وتم غزو ريف شرق سلمية السعن، والمفكر والمبعوجة، وحصلت مجازر مرافقة، راح ضحيتها مئات من المدنيين الأبرياء، وفشلت لجان "الدفاع الوطني"، في الدفاع عن هذه القرى. التي هجرها أهلها باتجاه مدينة السلمية. وقوات المؤازرة من قبل النظام دائما تأتي متأخرة.   

أصبحت السلمية مدينة مكشوفة وصيداً سهلاً أكثر من أي وقت مضى، ولعبة النظام أصبحت مكشوفة أيضا أكثر من أي وقت، وتبدو السلطة وكأنها تلقن أهل المدينة درسا،  بأن حماية المدينة وريفها يجب أن يكون على عاتق أبنائها، خاصةً مع رفض آلاف الشبان للخدمة الإلزامية، والنتيجة عقاباً جماعياً لأهالي المنطقة موالين ومعارضين. 

تلعب مؤسسة الأغا خان دوراً بارزاً في عمليات الإغاثة والدعم الاقتصادي لأهالي السلمية من: النازحين والمنكوبين والمهجرين و الفقراء والأرامل، وتخصص معونات دورية للطلاب، وتقوم بأعمال الدعم النفسي، وإنشاء دورا لرعاية الأطفال، إضافة إلى دورها الهام بتأمين فرص عمل للشباب، دون تمييز لأسباب طائفية.

سلمية التي تبدو مسالمة وعاجزة، عملت على ألا يكون لها أعداء من جهات الصراع، وأن لا تكون طرفاً في العمليات العسكرية، لأسباب ثقافية، وأسباب تتعلق بأعداد سكانها الـ 300 ألف نسمة، المدينة مع ريفها مع التنوع الطائفي، لم تستطع السلطة ابتلاعها، ولا تملك إمكانات الدفاع عن نفسها، وشبابها انقسم بين معارض مهاجر أو متوارٍ عن الأنظار أو معتقل، ومنهم  من تطوع في صفوف الدفاع الوطني في خدمة النظام،  ورغم حالة التذمر عند أطياف من اللجان،  نتيجة التمييز بين أقسامها في الدعم المادي والامتيازات،  لا توجد معطيات تؤكد قدرتهم على صد القوى التكفيرية، والتجارب تثبت ذلك.

*مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق