التعايش الكردي-العربي على حافة الهاوية

التعايش الكردي-العربي على حافة الهاوية
القصص | 08 يونيو 2015

طيلة شهور عدة مضت، لم تتوقف المؤسسات الإعلامية العربية وصفحات التواصل الاجتماعي عن الحديث حول ادعاءات واتهامات ضد وحدات حماية الشعب بارتكاب مجازر وتهجير واعتقال وحرق للبيوت والمحاصيل الزراعية الخاصة بالأقلية العربية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا. وخاصةً بعد كل انتصار تقوم به وحدات حماية الشعب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ولم يستطع كل أولئك المدعين من إثبات ولو انتهاك واحد بالصورة أو الفيديو أو بشهادات شهود عيان أو اعترافات المتهمين، كما تكرر نفي وحدات حماية الشعب لهذه الاتهامات، والتي ظلت حتى اللحظة دون نفي أو إثبات.

عاشت الشعوب السورية طيلة عمر الدولة السورية معاً، دون تسجيل أية حادثة أو مشاكل ذات طابع عرقي أو ديني، وإن وجدت يوماً ما فإنها كانت محدودة وسرعان ما تخمد من قبل عقلاء القوميات والطوائف السورية المختلفة. ولعل تنوع سكان محافظة الحسكة من أكراد وعرب وسريان وآشوريين وأرمن وغيرهم، جعل من هذه المنطقة نموذجاً مصغراً لسوريا ككل، حيث تعيش هذه القوميات إلى جانب بعضها البعض لمئات السنين. على الرغم أن سياسات حزب البعث الشوفينية ضد الأكراد كانت ذات طابع عنصري عروبي، إلا أن الأكراد ظلوا متمالكي الأنفس لم يحولوا صراعهم مع نظام الأسدين الأب والابن إلى صراع قومي كردي عربي.

لكن في العقد ونصف العقد الأخيرين، وخاصة بعد ثورة آذار 2004 وهجوم الجنجويد العربي على محلات ودكاكين كردية وسرقتها وتحطيم أملاك الأكراد في القامشلي وغيرها من مدن الجزيرة، جعلت من الصراع الكردي مع النظام يأخذ منحىً أخراً، ويظهر للعلن بوادر عنصرية شعبية عربية "ولو كانت محدودة في الجزيرة السورية" ضد الأكراد. واغتنام كل فرصة للتهجم على الأكراد وممتلكاتهم والنيل منهم، ناهيك عن تخوينهم وربط أي تحرك شعبي كردي من أجل حقوقهم المشروعة بالعمالة لأمريكا وإسرائيل.

أخطأت كبرى المؤسسات الإعلامية العربية وخاصة الجزيرة والعربية في نقل ادعاءات الأقلية العربية بتهجيرهم من قبل قوات وحدات حماية الشعب، كما أن تقرير صحيفة التايمز البريطانية المنشور بتاريخ 1 حزيران 2015 المعتمد بحسب زعم الصحفية "هانا لوسيندا سميث" على تقارير لمنظمات حقوقية محلية دون أن تسمي "سميث" تلك المنظمات.

من المعلوم للجميع بأن أبرز منظمات حقوق الإنسان المحلية في محافظة الحسكة هي كردية، "المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة داد، واللجنة الكردية لحقوق الإنسان راصد، ومنظمة حقوق الإنسان في سوريا ماف، وكذلك الشبكة الأشورية لحقوق الإنسان"، كما أن أبرز المنظمات السورية العاملة في مجال توثيق الانتهاكات هي "الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ومركز توثيق الانتهاكات، والمرصد السوري لحقوق الإنسان" وكل تلك المنظمات دون استثناء لم تنشر أي تقرير عن تهجير قامت به وحدات حماية الشعب ضد الأقلية العربية من مناطقها، في محافظة الحسكة السورية.

في نهاية 2012 غزت 48 كتيبة ومجموعة عسكرية عربية مدينة رأس العين "سري كانيه"، حيث قاموا بتهجير أكثر من 70% من سكانها باتجاه تركيا ومدن كردية أخرى. لم يقل الأكراد حينها أن العرب يقومون بتهجيرهم من مناطقهم، على الرغم أن الغزاة كانوا كلهم عرباً، وخاصةً من مدينة الحسكة وبالتحديد حي الغويران العربي، والذين كانوا أزلام النظام وشبيحته، وسرعان ما تحولوا إلى ثوارٍ وأبطالٍ بنظر الأخوة العرب. بل وصف الأكراد تلك العمليات بأنها عمليات سرقة ونهبٍ للممتلكات، وخاصةً تفريغ صوامع سري كانيه من الحبوب، حيث كنت شاهداً على ذلك، ونقلت حينها بالحرف ما يجري في مقابلة بالهاتف مع تلفزيون بي بي سي العربي.

على الرغم من نقل كبرى الوكالات العالمية لأخبار التهجير على أنها بسبب هروب الأهالي من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، أو من جراء الاشتباكات والقتال الدائر في تلك المناطق بين مختلف الجماعات المسلحة كجيش النظام السوري، ووحدات حماية الشعب، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، وكان أبرز تلك التقارير المصورة بالفيديو صادراً عن وكالة "سمارت" بتاريخ 6 حزيران 2015 حيث قامت الوكالة بجولة في مناطق تل تمر التابعة لمحافظة الحسكة، ويؤكد فيها الأهالي بأنهم تركوا بيوتهم بسبب الاشتباكات المسلحة بشكل عام دون اتهام وحدات حماية الشعب.

إن محاولة البعض جعل نزوح بعض العوائل العربية من منازلهم بسبب الحرب، أو بسبب الخوف من تنظيم الدولة الإسلامية على أنه إجراء عنصري أو تهجير قسري تقوم به وحدات حماية الشعب، وعدم إثبات ذلك ليس إلا تعميق الشرخ بين مكونات الشعب السوري، وتطوير الصراع ليأخذ منحىً باتجاه الحرب الأهلية بين العرب والأكراد.

ما فتئت ثلة المدعين، في توجيه الاتهامات والادعاءات دون إثباتها بأية أدلة أو براهين، ضد وحدات حماية الشعب. وهي الثلة ذاتها جوقة النظام وشبيحته التي تحولت فيما بعد إلى "معارضين" واسموا أنفسهم بالثوار. هي أزمة كبيرة في هذه الثورة، حيث بات عدد الشبيحة فيها يقارب عدد الثوار الحقيقيين. ويعملون لصالح من يدفع لهم، بعدما تركوا النظام لانتهاء المنافع منه، تحولوا إلى الطرف المقابل للاستمرار في العمل في خدمة من يدفع أكثر.

ككردي؛ أرفض رفضاً قاطعاً أي انتهاك ضد حقوق الإنسان، وإن عانى الشعب الكردي من الظلم لعقود كثيرة وما يزال، حيث كان الظالم عربياً وفارسياً وتركياً وكردياً أحياناً، إلا أنه يجب على المظلوم ألا يكرر فعلة الظالم مهما كانت الدوافع والأسباب، وما بين الحق والباطل إلا شعرة. وإنه ليسر أن تقوم بالظلم إن كنت قادراً على ذلك، ولكن الانتقام ليس من شيم الكردي، مهما زاد جور الظالم عليه، فالعفو هو الفاروق بين الظالم والمظلوم، وهذا ما تربى عليه الكردي.

*مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق