كادت أم وحيد أن تفقد حياتها تحت الأنقاض، لولا قدوم عناصر الدفاع المدني، إلى منزلها الذي تدمر جراء غارة لطائرات النظام السوري على حي الشعار بحلب.
تصف أم وحيد تلك اللحظات، عندما انطفأت الإضاءة، واختفى زوجها عن نظرها، حيث حاصرها الدمار من كل جانب، وبدأت النيران تشتعل بالمنزل.
تقول: "حاولت الخروج من المنزل إلا أن الحريق منعني، صرخت أطلب النجدة بصوت عالي، فطلب مني الجيران أن أهدآ وأخبروني بقدوم الدفاع المدني، بالفعل أحدث فريق الدفاع المدني فتحة في السقف، وأخرجوني من المنرل".
حاجة لأصحاب الخوذ البيضاء
الأسلحة الثقيلة التي تستخدمها قوات النظام السوري، لقصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ولدت الحاجة لوجود جهاز دفاع مدني في تلك المناطق، رغم أن فرص إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، تبقى ضئيلةً مع غياب الخبرة والمعدات.
ظهرت فرق "الدفاع المدني الحر" بشكل منفصل في سوريا، عام 2012، وتبلورت فكرة إنشاء جهاز دفاع مدني موحد، مع نهاية الـ 2013، على أيدي مجموعة من الناشطين.
يتحدث الناشط علي دياب، أحد مؤسسي الدفاع المدني عن مرحلة الإنطلاق: "وجهنا دعوات للمسؤولين عن الدفاع المدني من كل المحافظات للاجتماع وإجراء انتخابات فيما بينهم، وتشكيل مجلس الإدارة للدفاع المدني السوري،وعمل المجلس على تشكيل مكاتب للدفاع المدني كالمكتب المالي، وهيئات للدفاع المدني، التي تتبع لمجلس الإدارة في العديد من المحافظات السورية".
وبضيف علي دياب أن مجلس إدارة الدفاع المدني، يتألف من رؤساء الهيئات المتوزعة في المحافظات السورية، وبعد تشكيل هذا الجهاز بات يعرف في المحافل والمنظمات، باسم "الدفاع المدني السوري".
التطوع عصب الدفاع المدني
معظم العاملين في الدفاع المدني من المتطوعين، إضافة لمنشقين عن الدفاع المدني التابع للنظام السوري، بحسب مدير "الدفاع المدني الحر" رائد الصالح.
خضع المتطوعون، لتدريبات متطورة في مجالات البحث والإنقاذ، على أيدي خبراء أجانب في تركيا، وأنقذوا منذ بدء عملهم حتى اليوم، ما لا يقل عن 12 ألف شخص من الهجمات في سوريا.
إلا أن الصالح يرى، أن هذه التدريبات لا ترقى لمستوى العمل الذي يقوم به الدفاع المدني في سوريا، خاصة وأن البلاد تتعرض أسبوعياً لزلزال بقوة 7.6 على مقياس ريختر، وهو ما يعجز عن تحمله أي فريق دفاع مدني في العالم.
ويضيف الصالح، أن 25 عنصراً من الدفاع المدني في إدلب، تلقوا تدريبات خاصة على التعامل مع هجمات الكيماوي وغاز الكلور.
المرأة تضع الخوذة البيضاء
وسط الظروف الصعبة، التي يعمل بها شباب الدفاعِ المدني، استطاعت المرأة السورية تسجيل حضورها أيضاً، والمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، كما أن هيئات الدفاع المدني في حلب، ضمت مؤخراً عشرات الفتيات المتطوعات.
حسناء الشواف، ممرضة متطوعة في الدفاع المدني، بمعرة النعمان شرحت لروزنة عن دورها:" نعمل بالتنسيق مع فريق الرجال، يؤدي الرجال دورهم في البحث والإنقاذ وإجلاء المصابين، ويأتي دورنا بعد ذلك في عمليات الإسعاف، قبيل تحويل المصابين للمشافي المختصة".
وتلعب المرأة دوراً مهماً، خاصةً في البيئات المحافظة، بإنقاذ المصابات من النساء والفتيات، ذلك أن عناصر الدفاع المدني من الرجال، يواجهون صعوبة وإحراجاً في ذلك.
تقول حسناء:" طالبنا بالعديد من الدورات التدريبية، وتم ذلك في تركيا برعاية بريطانية، ونعمل اليوم على تدريب المتطوعات الجدد في جهاز الدفاع المدني".
عمل مستمر رغم الإمكانيات الضعيفة
تختلف إمكانيات الدفاع المدني في سوريا، من مكان لآخر، ففي المناطق المحاصرة من قبل النظام، كالقابون ودوما بريف دمشق، تفتقر للمعدات اللازمة في عمليات الانقاذ، على عكسِ تلك الموجودة في المناطق الحدودية، كالمحافضات الشمالية المحاذية لتركيا، والتي تمتلك معدات ثقيلة، حصلت عليها من وحدة تنسيق الدعم التابعة للحكومة السورية المؤقتة.
وحول ذلك، يشرح مالك الحمصي المسؤول عن ملف الدفاع المدني في الوحدة:" في عام 2014 وضمن حملة برنامج حياة للدفاع المدني السوري في محافظات ادلب وحلب وحماة واللاذقية، حصل الدفاع المدني على معدات ثقيلة بقيمة ستة ملايين دولار، وتم استكمال الحملة عام 2015، بالإضافة للمصاريف التشغيلية".
وحصلت المناطق المحاصرة أيضاً على مبالغ مالية من الوحدة، لدعمهم بشراء آليات بحسب الحمصي، إلا أنها لم تقدم رواتب لعناصر الدفاع المدني، لأن ذلك يعد من اختصاص الحكومة المؤقتة، واقتصر دعم الوحدة للخوذ البيضاء على سلل غذائية، لمدة ثلاثة أشهر كنوع من أنواع الدعم المعنوي.
في حين اقتصر دور الحكومة المؤقتة على تقديم مكافآت مالية شهرية لعناصرِ الدفاع، تم وقفها نهاية العام الماضي، وهو ما برره مسؤول الدفاع المدني في الحكومة المؤقتة، بانقطاع الدعم عن الحكومة بشكل كامل، ونفاذ مدخراتها في صندوق الطوارئ، مضيفاً:" نسقنا مع الدفاع المدني لمعرفة احتياجاته ونعمل اليوم على التوجه للمنظمات والممولين لتزويد المنظومة بالدعم اللازم".