عن المستقبل ومصير العلويين

عن المستقبل ومصير العلويين
القصص | 17 مايو 2015

مقالات الرأي | ما إن سيطرت القوات الرافضة للنظام على مدينة جسر الشغور، حتى تعالى اللّغو الطائفي المقيت بين السوريين. وتركز عند الطائفيين من المناصرين للنظام أن الوهابيين قادمين ليقتصوا منهم، ولدى المناصرين للمعارضة أن النصيريين المجوس يجب أن يذوقوا ما ذاقه السنّة طيلة أربعة سنوات. هذا اللّغو لا يرى السوريين إلا كطوائف، فالسنة كلها مظلومة ويجب أن تقتص، والعلوية مسيطرة ويجب أن تُذَل وتباد. هذا تفكير قاتل وإجرامي، ويستمد شرعيته من ممارسات النظام طيلة السنوات الأربعة الماضية، فقد وظّف الطائفية ليظهر الحدث السوري حدثاً طائفياً بامتياز، وتوافق معه الإخوان المسلمون، الذين عملوا على أسلمة الثورة منذ اللحظات الأولى، ومن ثم وصلنا إلى الجهادية السنية والمليشيات الشيعية لجهة النظام، وأصبح الصراع بين جهاديتين، وبالتالي وكأن ما يحدث في سوريا طيلة السنوات الأربعة هي حرب أهلية أي طائفية هنا، فما الحكاية فعلاً؟ ونضيف بأن حلقة الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة والتي كان عنوانها مصير العلويين، قدمت العلويين قتلة ومجرمين، كانوا كذلك طيلة ليس الأربع سنوات بل وخلال الخمسين عام الماضية، وكان الهدف منها التهييج الطائفي والغرائزي وديمومة القتل الطائفي، ولم تكشف أية حقيقة كما رغب تيّارٌ سياسي برّر لهذه الحلقة كل مساوئها.

برنامج فيصل القاسم ذائع الصيت، وربما الأكثر مشاهدةً، يشهد مقاطعة من كثير من المثقفين ومنذ سنوات طويلة؛ هذه الحلقة طائفية بامتياز وأكّدت رأي المثقفين في البرنامج، والحلقة لم تكشف أية حقيقة عما يفعله "العلويون"، بل شحنت الجميع طائفياً، وتصدّر هذا الأمر مواقع التواصل الاجتماعي والحديث الشفاهي بين السوريين.

لم تنخرط الطائفة العلوية بالثورة، ولكن قطاعات شبابية وثقافية أيّدتها، وكذلك الأمر مع بقية الأقليات الدينية، بينما انخرطت الطائفة السنية بالثورة، ورفضت أقسامٌ منها ولا سيما الأثرياء الانخراط، وأحياناً بلداتٌ عديدة لم تساهم أبداً فيها! الانخراط في الثورة طالما ووجه بالاعتقال والقتل.. ارتدت عنها الفئات الأكثر ثراءً في مختلف المحافظات، وتُرك الفقراء لمواجهة النظام بمفردهم ومعهم قطاعات شبابية من طبقات متوسطة وبعض الأغنياء؛ أغلبية حلب لم تشارك في الثورة وكذلك أثرياء دمشق بشكل خاص وكثير من مدنيي "السنة". هذه اللوحة يجب أن تُقرأ كما هي، وإلا وقعنا بشيطنة هذه الطائفة أو تلك، ولم نفهم ما حدث.

الآن لماذا لم تنخرط الطائفة العلوية بالثورة ووقف أغلبيتها إلى جانب النظام؟!

هناك ثلاث مسائل تعد مفتاحية لفهم الحدث، وللخروج منه نحو مشروع وطني ينطلق من المواطنة، والعدالة الانتقالية والدائمة، ومحاسبة المجرمين على جرائمهم بما يجعل القضاء هو الحكم بين السوريين. هي قضايا ما لم تحلّ ستتكرس تمايزات طائفية سياسية عميقة.

أولاً، هناك الخلاف السياسي التاريخي بين السنة والعلوية، وكان من نتائجه تمايز طائفي قديم، وقد تشكل بفعل اضطهاد السلطنة العثمانية للعلويين موظفين الديني في ذلك. لم تستطع الدولة الحديثة جسره ولا الإيديولوجيات القومية والاشتراكية بشكل جدي. أي لم تتشكل وطنية سورية جامعة كما يجب قبل الاستقلال ولا بعده.

ثانياً هناك حرب الثمانينات، والتي أخذت طابعاً طائفياً، فالإخوان المسلمين أرادوا بناء دولة إسلامية، والنظام ردّ بتشيكل قوات "سرايا الدفاع" وكانت تقريباً قوات طائفية علوية. الأخطر هو عدم معالجة هذه القضية، فركنت في الوعي، أن العلويين سلطة والسنة طائفة مضطهَدة، رغم أن مشروع الإخوان حينها فشل بسبب فاشية النظام، وبسبب رفض برجوازية المدن "السنة" ولا سيما في دمشق تأييد المشروع الإخواني. ونضيف هنا بروز سيطرة أمنية بعد الثمانينات خاصة، أغلبية ضباطها من العلويين وتزايد أعداد الموظفين من العلويين في مختلف مؤسسات الدولة؛ وهذه السيطرة بدت وكأن الطائفة حاكمةً، وهذا ليس بصحيح، ويمكن قراءة أية دراسة عن أوضاع المناطق "العلوية" ليوضح كذب هذه الرؤية الخاطئة.

ثالثاً، مع بداية الثورة استند النظام إلى ما سبق، وعمل المستحيل ليقدم الثورة كثورة سعودية وإمبريالية وإخوانية، ووهابية، وأن السنة قادمون لقتل العلوية والأقليات وتهديد كل الاستقرار في سوريh، ولاحقاً أطلق قادةَ الجهاديين الآن" الجولاني، وعلوش، وآخرين". الكارثة أن الإخوان المسلمين أيضاً تحرّكوا فوراً للانتقام من هزيمتهم في الثمانينات، ولاستغلال الثورة ودفعها نحو الأسلمة وسيطروا تقريباً على قناة الجزيرة وعلى الصفحة السورية ضد بشار الأسد، ووظفوا مال الإغاثة ودعم الناشطين من أجل الأسلمة، ونجحوا بذلك. تحرك الإخوان هنا شكل عامل انقسام في الثورة السورية وأبعد كثير من الفئات السورية عن الثورة وليس فقط كتلة كبيرة من الطائفة العلوية.

النظام وبتتالي الأحداث راح يعمّق رؤيته للثورة وكذلك الإخوان، ولم يفد الشعب ردّه الثوري العميق أن الشعب السوري واحد واحد واحد، ولا سلفية ولا إخوان. ولاحقاً اشتد التكفير المتبادل، ليظهر في الإعلام الخطاب الطائفي وحده. النظام تتحكم فيه ثلة محددة، وساهمت في كل الدمار والقتل، وتتبع لها فئات محددة، وتستفيد منه فئات كثيرة من الفاسدين وفي كافة المدن، وما يجري تتحمل هي مسؤولية ما تمّ من قتل ودمار وحصار واعتقال وتهجير. ونضيف وثانياً كل من دفع البلاد لهذا الخيار الطائفي والتسليحي بشكل فوضوي من الإخوان والجهاديين والداعمين للنظام ولهذه الفئات.

النظام بحالة ضعفٍ شديدٍ، وقد أبعدت عنه كافة "طوائف" المجتمع، أي المجتمع، وأصبح لا يستطع ومنذ عام تقريباً رفد جيشه وأمنه بعناصر جديدة؛ أي أنّه يعاني عزلة مجتمعية عامة، والمؤشرات تقول أن إيران وروسيا أيضاً بدأتا تبتعدان عنه، وبالتالي الخطاب الوحيد الهام حالياً هو التفكير بكيفية الانتقال إلى نظام جديد، ومحاسبة كل المجرمين ومن طرفي الصراع، ووفقاً للمواد القانونية للمرحلة الانتقالية أو الدائمة، ولكن وفقاً للقضاء، وتجريم الخطاب الطائفي.

 كل ما حدث في سوريا هو ثورة شعبية شاركت فيها فئات عديدة من السوريين، ولكنه أصبح مشوباً بالطائفية، وعلى طرفي الصراع. الخلاص منه والعودة إلى أهداف الثورة، يكون بتأسيس خطاب يستند إلى المواطنة والانتقال نحو سورية لكل السوريين. هذا الشكل من الانتقال وحده ما يسمح بتشكل وطنية جديدة والانتهاء من القضايا الثلاثة التي أشرت إليها، ومعالجة ملفاتها، وإلغاء أي شكل من أشكال التمييز الطائفي أو الديني أو الجنسي.

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق