بعد إدلب.. مواقف طائفية لمثقفين معارضين؟

بعد إدلب.. مواقف طائفية لمثقفين معارضين؟
القصص | 08 مايو 2015

حتى أيام قليلة كان مثقفون سوريون معارضون للنظام، يصنفون كمثقفين ثوريين، وبينهم من كان يصنف كمثقف علماني، منشغلين بالحديث عن داعش وإرهابها ولامنطقية أحكامها وعقلها، الذي لم يميز بين سني ومسيحي وعلوي.. ويؤكدون على أن داعش هي فصيل من فصائل النظام الداعمه له، ويؤكدون كذلك على أن الحل هو في إسقاط النظام وداعش والتحول إلى دولة مدنية تعددية. 

لكن كلام الأمس تبخّر بمجرد تحرير إدلب وجسر الشغور، فيتحول معها جزء من هؤلاء المثقفين ليفتحوا النار على طائفة سورية بقضها وقضيضها بحجة أن هذه الطائفة هي طائفة النظام؟، رغم أن بين هؤلاء المثقفين المعارضين من كان حتى نهاية السنة الأولى من الثورة السورية في صفوف النظام، أو على الأقل عاملاً في مؤسساته متعيشاً من عطاءاته.

أما ما يبطن في تصريحات هؤلاء المثقفين المعارضين للنظام، فيتمحور حول فكرة أساسية، هي أن على العلويين -دون تمييز- أن يدفعوا الثمن، أو أن ساعة الانتقام قد حانت، ولا يخفون فرحهم من أن قوات المعارضة وبينها إسلاميون، تتوجه إلى الغرب إلى قرى العلويين ومناطقهم، فيكتب كثيرون من هؤلاء المثقفين والنشطاء المعارضين على صفحاتهم بفرح أن القرداحة أصبحت على مرمى مدفعية المعارضة وقذائفها، وأن الطريق إلى اللاذقية سالكة.

ينقسم هؤلاء المثقفين والنشطاء المعارضين للنظام إلى ثلاثة أقسام: 

قسم أول يجهل تماماً تكوين النظام، القائم على عاملين جوهريين هما المصلحة والرابط الأمني فقط، كما يجهل التكوين السوري بل والجغرافية السورية ذاتهما، فما بالك بماهية المجتمع العلوي والطائفة العلوية، رغم أنه عاش سنواته كلها في سوريا، لكن حداثة سنه منعته ربما من التعرف على سوريا وعلى الساحل حيث يقطن العلويون وعلى بنية هذا المجتمع.

القسم الثاني من هؤلاء المثقفين المعارضين عاش في سوريا، ويدرك إلى حد كبير بنية النظام سابقة الذكر وله علاقات سابقة مع معارضين علويين أو عرف المجتمع العلوي عن قرب، لكنه متأثّر بمقولة شهيرة تقول: إن النظام السوري هو نظام علوي، بدليل أن العلويين استولوا على وظائف النظام كلها، وهم أساس الأمن والجيش.  

والقسم الثالث يعيش خارج سوريا منذ زمن بعيد، وهو من صبغ الصراع باللون الطائفي، وحرّض لاحقاً على قتل العلويين بدون تمييز بين مقاتل في صفوف الجيش أو شبيح في مليشيا، وبين موال أو معارض أو خائف يريد انتهاء الحرب بأي طريقة. وهذا القسم التحق بصف الثورة من باب التكسّب ليركبها لاحقاً، وكان سبب عسكرتها وأسلمتها. وهو مازال يرتع في بلد مجاور لسوريا قابضاً على تمثيل الثورة السياسية وتمويلها وإعلامها.

هؤلاء أي القسم الثالث، وهم أقرب إلى المعارضين الانفعاليين أو الثأريين منهم إلى المثقفين المعارضين، هم بالضبط من كانوا يصورون الثورة السورية وكأنها ثورة سنية أو ثورة إسلامية، وبعدما كانت الثورة السورية تقدم على أنها ثورة تحرر وطني لها شعارين مقدسين هما الحرية والكرامة ولها مطلب في دولة مدنية ديمقراطية، انصرف جزء من مؤيدي الثورة -لاسيما من كان خارج سوريا- عن هذه الشعارات منذ زمن مبكر باتجاه الأسلمة والعسكرة كما أسلفنا، ولم يكن موقفهم هذا بغريب عليهم ولا على بقية السوريين المعارضين للنظام، بسبب مرجعيتهم الإخوانية، واستمر بقية مثقفي الثورة في داخل البلاد وخارجها على موقفهم الداعم لمدنية الثورة، ونبل أهدافها، ولاحقاً حدث تحول بسبب بطش النظام وتمّ التخلي عن السلمية مقابل العنف والقتال، لكن احتفظ قسم كبير من مثقفي الثورة المؤيدين للعنف المضاد بخيار المدنية والدولة الديمقراطية إلى أن سقطت إدلب وجسر الشغور، فانقلبوا فجأة عن موقفهم الديمقراطي الوطني إلى موقف انتقامي طائفي، والحقيقة فموقف هؤلاء مفاجئ بالفعل، على خلاف موقف دعاة الأسلمة، فهؤلاء بسبب يمكن فهم موقفهم لخلفيتهم الإخوانية وهم كانوا واضحين منذ البداية.

لكن من غير المفهوم كيف لمثقف معارض رفض أسلمة الثورة، أن يتخذ فجأة موقفاً طائفياً قاب قوسين أو أدنى من سقوط النظام -كما اعتقدنا جميعاً في تلك اللحظة- ليتحقق ذلك الهدف الأول للثورة.

والسؤال هنا هل كان موقف هؤلاء مضمراً وظهر في التوقيت المناسب؟ أم أن موقفهم له ما يبرره؟ وأن ليس في الثورة السورية مثقف ثوري علماني أو مثقف وطني ديمقراطي -كما توهمنا- إلا ما ندر؟. 

لاشك أن الثورات التي تحولت إلى شبه حروب أهلية كما في الحال السورية ستفرز كثير من الأمراض، وسيظهر التعفّن في بنية أبنائها الفكرية أو السياسية، لكن المثقف الثوري باعتقادنا هو أولاً المدرك لتعقيدات الوضع الذي تعيشه بلاده راهناً وسابقاً، والذي لا يسقط في براثن العنصرية أو التمييز على أي أساس كان، والأخلاقي ثانياً الذي يقف مع الضعيف المهدد في وجوده دون تمييز، فلا يحرّض على القتل بل يحرّض على التفاهم والهدوء وإحقاق الحقوق والعدل ومحاسبة المجرمين من أي طائفة كانوا، مع تجنيب أبنائهم وأهلهم انتقام الضحايا.  

المثقف المعارض للنظام يجب ألا يتحول إلى مثقف معارض لطائفة أو أثنية، وإلا تحول إلى مثقف عنصري، وهو بذلك يشبه النظام الذي عارضه.

*مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة 

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق