أطلق الصحفي المصري شريف الشوباشي، دعوة لتنظيم مليونية لخلع الحجاب في ميدان التحرير بمصر، ذلك الميدان الشهير، الذي تجمع فيه المصريون عام 2011 لإسقاط النظام الحاكم، وأصبح رمزاً للتغيير ولإسقاط كل ما يعيق التقدم نحو الأمام.
شريف أراد مواجهة الإسلاميين من إخوان وغيرهم فهم احتكروا الكلام باسم الله والإسلام، وهو ليس بوارد مخالفة الدين وأحكامه؛ الإسلاميون وعلى خلفية هزيمة حزيران 1967 اعتبروا الهزيمة بسبب ابتعاد الناس عن الدين، وشددوا على تحجيب المرأة، واعتبروا ذلك فرضاً دينياً؛ وهذا مجال اختلاف كبير، ففي كثير من التفسيرات للآيات القرآنية ودراسات الأحاديث النبوية، نجد رفضاً لاعتبار الحجاب فريضة ،والأحاديث التي قالت بذلك من الآحاد ومتناقضة مع بعضها.
الإسلاميون يرفضون ذلك، ويعتبرونه فريضة ويُشهرون الأحاديث وكأنها صحيحة، ويسندون دعواتهم بالكثير من الآيات، والتي بعمومها تخص نساء النبي فقط، وتخص فصلهن عن الرجال وليس ستر الشعر أيضاً.
الهام هنا أن هذه الدعوة سياسية في أصلها، فهي رفض للممارسات السياسية التي تتحكم بالمرأة باسم الدين؛ ورغبة في إعطاء المرأة الحق بالتصرف في جسدها وشؤونها وحياتها.
المشكلة أن الدعوة تتدخل كذلك في الأمور الشخصية، حيث أن وضع الحجاب أو خلعه قضية شخصية محضة، و للنساء أن يضعنه أو يخلعنه، ويمكن للرجال أن يضعوه أويخلعوه أيضاً، فالكثير من الرجال يضعون المنديل على الرأس، للوقاية من البرد أو الحر، وهناك أشكال لتغطية الرأس وسواها؛ وحسب تغير الفصول، وبالتالي لا يحق لشريف أن يطلق هكذا دعوات.
الدعوة تأتي بسياق الصراع بين الإسلاميين وبين النظام الحاكم، النظام الذي ينوء بالمشكلات، والإسلاميين الذين لا يريدون التسليم بالتغيير الذي أسقط مرسي، وإذا يقف الكثير من أنصار السيسي مع الدعوة فإن أنصار الإخوان يعتبرونها ضد الله والنبي وطعن في العقيدة وتعرية للمرأة باسم الحرية، وخلع لمصر عن عروبتها وإسلامها وهويتها، وهو إهانة للقرآن ولتشريعاته، ولكن هناك رفض مجتمعي لها أيضاً، وقبالة ذلك هناك من يناصر الدعوة بقوة.
الإشكال أن هكذا دعوات تنقل الصراع من السياسي إلى الثقافي والهوياتي، والذي يقول بفشل السيسي في مواجهة مشكلات مصر وحلها، وفشل الإخوان في إزاحته كذلك، وبالتالي تستغل هذه الدعوات لغايات سياسية محضة، وستتفاعل تباعاً لأنها المجال الذي يلغي الصراعات الفعلية، كقضايا الديمقراطية والفقر والتغول الأمني والأسلمة من زاوية الجماعات الإسلامية وسواها.
تتفاعل الدعوة في العالم العربي، وكأنها حدث كبير، وتطلق آلاف التغريدات على التويتر عنها، وآلاف الستاتوسات كذلك، ويدلي كثير من السياسيين والمثقفين والفنانين بآرائهم حولها، وتغطيها الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعات؛ هذا التفاعل يدلّل على التداخل الواسع بين الديني والسياسي، والتعدي الواسع على الحريات الشخصية، وتدني مكانة المرأة، واشتداد الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، وأيضاً على الاستخدام السلبي للإعلام؛ إذا هذا التفاعل يدلل على الخفة التي لا تحتمل في القضايا المثارة ثقافياً واجتماعياً ودينياً. بينما الواقع المصري والعربي بعمومه يتراجع لصالح الدول الإقليمية والعالمية، ويكاد عالمنا تعمه الحروب والفقر وغياب أي نهوض صناعي وزراعي، وتتحول البلاد العربية إلى دول تابعة بالكامل.
الدين، أو الشأن الديني للأفراد، هو المجال الوحيد أمامهم، ولا سيما حينما تغلق الآفاق، فلا عمل ولا سياسة وتحكم أمني واسع، وإخفاق أمام العدو الصهيوني، وبالتالي الردّة الدينية ليست بلا أسباب، بل تكمن أسبابها في ذلك الإخفاق العام، وفي تشجيع الأنظمة لها هروباً من الأزمات التي تسببها للمجتمعات، وكي تتفادى الصراع المجتمعي ولدفعه نحو الديني في حال تفجره، لذلك شجعت كافة الدولة العربية الأسلمة بطرق شتى.
ازدياد التدين العام بدءاً من نكسة حزيران كان تعبيراً واضحاً على إغلاق كل المجالات أمام الأفراد، وأنهم أصبحوا عراة لا يسترهم إلا الله، وقد طردوا من الأرض تماماً؛ المشكلة أن الفراغ ليس له مكان في الوجود، وهذا ما استغله الإسلاميون والأنظمة ذاتها؛ ولعبوا بهذه القضية بشكل كارثي، وكون المرأة هي الأكثر تعرضاً للظلم، وبما أن الدين يعطيها حقوقاً أقل، ويمكن استغلال نصوص معينة وحرفها عن معانيها، فكان التشدد عليها أكثر الأفعال محافظةً، وفي هذا هناك تعميم لبقائها في المنزل، وللزواج المبكر وقبول تعدد الزوجات ومرافقتها بمحرم، وهكذا.
هذه الدعوات تساهم في تشويه الصراع المتأزم بين المجتمع وبين النظام المصري، ونقله إلى صراع بين الإسلاميين والعسكر، أو بين الإسلاميين والعلمانيين، أقول إن نقل الصراع إلى قضايا ثقافية أو جوهرانية يخلق قطيعة بين هذه القوى والتيارات، وبذلك تتغيّب المشكلات الحقيقية التي ذكرنا بعضها أعلاه.
الدعوة لخلع الحجاب، مهمتها إذاً، إنتاج الصراعات الهامشية، وحصر الصراع بين الإسلاميين والنظام وإجبار العلمانيين للاصطفاف مع النظام، وهذا ما سيفتح أفق الصراع نحو حروب أهلية في مصر!.
-------------------------------------------
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة