مالت الأقليات في سوريا لمراقبة الحدث السوري منذ بداية الثورة 2011؛ أنخرط مثقفوها وسياسيوها في الثورة، وحاولوا تِباعاً إنهاء حالة المراقبة وتحويلها إلى حاضنة للثورة، وفشلوا في ذلك. السويداء مدينة شهيرة بزعيمها سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية ضد الفرنسيين 1925، أربكتها تماماً الثورة الشعبية؛ وما ساعد في ذلك تخويف النظام للأقليات وأن الثورة ستبنى دولة إسلامية، ولم تستطع المعارضة بخطابها أن تجتذبها، سيما مشاركة الإخوان في تشكيل المجلس الوطني والائتلاف لاحقاً وغيرها؛ وهي التي في ذاكرة السوريين الطرف الثاني في الحرب في أعوام الثمانينات، وكانت تبتغي دولة إسلامية حينذاك والآن تغطي هدفها هذا باسم الدولة المدنية.
تضاعف خوفهم لاحقاً حينما ظهرت الجهاديات وتنامى خطابها ضد الأقليات والمرتدين والروافض. ولكن حدّة المعارك ولا سيما 2014، أظهر تململاً واسعاً عند كافة السوريين ومنهم الأقليات، بل إن السوريون في الأماكن الخارجة عن النظام أًصابهم الأمر ذاته. فالحرب بلا نهاية والدمار يسوي منازلهم بالأرض وأولادهم بين شهيد ومعتقل ولاجئ. برز التململ في مدينة السويداء من خلال صعود جماعة مسلحة يقودها الشيخ وحيد البلعوس، وامتناع آلاف الشباب عن المشاركة بالجيش، وهروب ما يقارب الأربعة ألاف عسكري من الجيش.
خروج مدينة الرقة، وقبل أسابيع مدينة إدلب، وسقوط بلدة بصرى الشام المحاذية للسويداء ومعبر نصيب، وإشاعات كثيرة تقول باحتمال خروج مدينة درعا؛ كلها عناصر عمّمت خوفاً وخشيّة مما سيحدث في حال فعلاً استقلت مدينة درعا. القلق الشعبي وصل بعد تحرير بصرى الشام إلى أعلى مراتبه؛ فإذا سقطت هذه البلدة المحصنة، فكيف بمدينة السويداء، التي تكاد تكون بلا قطع عسكرية وبلا حمايات حقيقية من قبل السلطة. ونضيف أنّه، لولا حرص أهل درعا ومتانة الصلة بين معارضي السويداء ودرعا لكانت الكثير من المعارك حصلت بين مقاتلي درعا وأهل السويداء. ومن المعلوم أن هذه الصلة هي بالتحديد ما منع أي هجوم حقيقي نحو السويداء؛ بل إن درعا حرصت على لجم جبهة النصرة عن أيّ "غزوات" مشتهاة للسويداء.
كل ذلك يعرفه أهالي السويداء، ويشكل عامل اطمئنان لمستقبل مدينتهم؛ ولكن تقدم الجهاديات في عموم سوريا، ووجود النصرة في درعا ومحاولاتها المتكررة لقصف السويداء، كلها عوامل تكرس القلق لا الاطمئنان. طبعاً السويداء تحتضن أكثر من 300 ألف إنسان من درعا وحدها وهناك ما يساويهم من بقية المحافظات، بينما عدد سكانها الحقيقي لا يتجاوز 400 ألف نسمة؛ هذا عنصر قوة لصالح المدنية. وتشكل قوة الجيش الحر كما معارضي السويداء في درعا عامل صدٍّ لأيّ توتير في العلاقات بين المدينتين. ولكن ومن ناحية أخرى، السويداء الآن مدينة معزولة تماماً، ولا سيما بعد سقوط معبر نصيب، ووجود مناطق واسعة على تخومها، إمّا تتواجد فيها داعش أو جيش الإسلام أو الجيش الحر وجبهة النصرة في درعا؛ أي لم يبق للمدينة متنفساً إلا الخط الرئيسي إلى دمشق، وحدود الأردن المغلقة.
الشعور بالقلق والتململ أصبح يسود القوى التي "اخترعها" النظام ذاته، كالدفاع الوطني وكتائب البعث وسواها؛ فتجهيزها العسكري ضعيف للغاية، والنظام لا ينفك عن توريطها ضد مدينة درعا، وطبعاً يتورط المغفلون فقط، ويعد هذا عامل توتير دائم بين المدينتين؛ الآن الخطر تضاعف، وهذه المجموعات ذاتها يعمّها القلق، وتعلم أن أي معركة مع درعا ستخسر فيها تماماً؛ فالسويداء بلا دعم مالي ولا سلاح وسيستخدمها النظام كمنصة إطلاق للقذائف لإبقاء التوتر قائماً، ولدفع شباب المدينة للالتحاق به.
الصورة الآن في السويداء على هذا النحو: درعا ستخرج عن النظام، وحدودها مع السويداء عشرات الكيلومترات، والنظام سيتركها للدفاع عن العاصمة، وهذا يعني أن داعش سيتقدم من ناحية البادية كما جرى منذ عدة أيام والهجوم على مطار (خلخلة). ينقذ المدينة فقط الجيش الحر في درعا، وربما القوى الإسلامية "المعتدلة" في ريف دمشق؛ وقد تعيد جبهة النصرة ذاتها بموقفها من المدينة حينما يتوقف النظام عن توريط بعض مواليها في الهجوم على درعا، وهذا يتلاقى مع محاولات لتلميع النصرة كقوة مسلحة أساسية ولها وظائف لخدمة التحكم التركي والقطري في بعض المدن السورية، وبالتالي ستدفع لتخفيف أصوليتها، وتشددها مع الأقليات، وكذلك كَثُرَ الكلام عن انفكاكها عن تنظيم القاعدة وسورنتها و"تعديلها إسلامياً".
أما السويداء، فلن تتقدم نحو الثورة، وستستمر بالانكفاء عن النظام، وستعاني عزلة أوسع من ذلك. دون شك هناك تخوّف عليها من مصير يشبه بلدة سلمية وطبعاً يستبعد ما يشبه مصير الايزيدين في جبل سنجار في العراق؛ وستتزايد فيها المجموعات العسكرية الهامشية التسليح. وستكثر فيها المبادرات من أجل إنقاذ سوريا، ومن أجل مشروع وطني ينهي المأساة المستمرة. مبادراتها لن تكون ذات قيمة، وقد أطلق فعلاً الشيخ وحيد قبل عدة أيام هكذا مبادرة؛ ويعقد كل ذلك خروج أغلبية المعارضين منها كما من كل سوريا.
إذاً وضع مدينة السويداء ليس بخير، ويكتنف مستقبلها الغموض، ويتوقف كل ذلك على تطورات الثورة في درعا وتقدم داعش من جهة الشرق، والحل السياسي؛ وبغياب الحل السياسي العام، والانتقال إلى مرحلة دولة الثورة، فإن هذه المدينة قد تكون مقبلةً على أوقات عصيبة.