لماذا يزور زهران علوش استانبول؟

لماذا يزور زهران علوش استانبول؟
القصص | 19 أبريل 2015

تناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل صوراً لاحتفالية نظمتها "رابطة علماء الشام" في تركيا، ويظهر فيها زهران علوش، قائد ميليشيات "جيش الإسلام" المعارضة في سوريا. خطوة أثارت تساؤلات عدة، ابتداءً من كيفية تمكنه ومن معه من مغادرة الغوطة، برغم حصار النظام المطبق عليها، ثم عبور كل تلك المسافة من ريف دمشق إلى الحدود التركية. وليس انتهاءً بدوافع الزيارة وما يمكن أن ينتج عنها، فالأكيد أنها ليست للقاء مشايخ "رابطة علماء الشام" فقط!

وكما في كافة مجريات "الفيلم السوري الطويل" وتفاصيله، ثمة أبعاد ومصالح متشابكة خارجية وداخلية، تحكم مقاربة أي حدث عند محاولة الفهم والتحليل. على ذلك، فزيارة علوش لتركيا ربّما تكون خطوة في اتّجاه التحضير لعمل كبير، يجعل "ما بعد زيارة زهران غير ما قبلها"، وفق تعبير أحد الأصدقاء. وقد تقتصر على دوافع محدودة، بمعنى تسويق نفسه سياسياً لدى الأتراك وغيرهم للحصول على دعم إضافي لميليشياته.

في ضوء التطورات الإقليمية، ثمة ما يدفع للاعتقاد أنّ الغرض الحقيقي من "رحلة زهران"، ربّما يكون الشروع بتنسيق تحرّك عسكري واسع النطاق تقوم به المعارضة، بإسناد ومشاركة من تركيا والسعودية، الداعم الرئيسي لعلوش.

فبعد الزيارة الأخيرة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى السعودية، راجت تسريبات صحفية عن تفاهم تركي - سعودي بشأن تدخل عسكري في سوريا. كما نُقل عن مصدر حكومي تركي الحديث عن احتمال توجيه "ضربة مزدوجة" للنظام السوري وتنظيم "الدولة الإسلامية"، مشيراً إلى احتمال أن يتمّ ذلك بعد حزيران (يونيو) القادم، موعد الانتخابات التشريعية في تركيا.

تتعزّز هذه الفرضية بعد الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، تحت مسمّى "عاصفة الحزم"، لإسقاط الحوثيين حلفاء إيران، والتي غيّرت بلا شك قواعد اللعبة في المنطقة، وفتحت الإحتمالات لإمكانية تكرار السيناريو في سوريا. وقد سارعت بالفعل أوساط في المعارضة السورية للمطالبة بذلك. وفي رسالة لا تخلو من دلالة، بُثّ بيان مصوّر على الإنترنت، قبل أيام، يعلن عن تشكيل عسكري جديد في ريف اللاذقية، باسم "فرقة عاصفة الحزم". حتّى وإن لم تفضِ التفاهمات التركية – السعودية إلى تدخّل عسكري برّي، فإنّ غطاءً جويّاً ودعماً نوعيّاً بالسلاح يُقدّم للمعارضة، كفيل بتغيير الموازين على الأرض. ومعلوم أن مجموعات من "جيش الإسلام" نفسه، تنتشر في بعض المناطق السورية الشمالية، كأرياف إدلب وحلب واللاذقية، وجميعها ستكون مسرح عمليات للتحرّك المفترض.

ولعلّ إدراك إيران لجدّية احتمال كهذا، بعد الضربة القويّة لها في اليمن، دفع مقربين منها إلى ترويج معلومات في وسائل الإعلام عن "ثلاثين ألفاً من قوات الحرس الثوري جاهزة ومؤهلة تعبوياً وعسكرياً لدخول سوريا عند الضرورة"، كتأكيد على عدم نيّتها التخلّي عن النظام السوري، واستعدادها لكلّ الاحتمالات. على أنّه أياً كانت السيناريوهات، فالحسم سيكون في دمشق، التي يسيطر مقاتلو زهران علوش على مناطق هامة من محيطها.

في مقاربة على مستوى مختلف، أو لنقل في الحد الأدنى للتحليل، يسيطر "جيش الإسلام"، على معظم المناطق الخارجة عن النظام في محيط دمشق، لا سيما الغوطة الشرقية، حيث نفذ علوش خطوات عدة لإحكام سيطرته عليها والتخلّص من المنافسين، كان آخرها في دوما، حين قضى "جيش الإسلام" على "جيش الأمة". ولزهران مجموعات في أرياف حلب وإدلب واللاذقية كما مر بيانه، وقد تلقت مدينة اللاذقية نصيباً وافراً من صواريخ وقذائف "جيش الإسلام"، حالها كحال العاصمة دمشق. وعلوش يدرك جيداً مصلحة الأتراك في التعاون مع الفصائل المتواجدة في المناطق المتاخمة للحدود التركية.

ولا يقلّ أهمية سعيه لتقديم نفسه وجماعته في الخارج كمقاتلين "معتدلين"، الكلمة السحرية لتلقي الدعم الغربي، في مواجهة تنامي دور الجهاديين المتطرفين، خصوصاً بعد سيطرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة "جبهة النصرة لأهل الشام"، وبعض حلفائه على مدينة إدلب. سيعزّز من صورة "الاعتدال" المزعومة تلك، أنّ قوّات زهران تشنّ هجمات على مواقع "الدولة الإسلامية" أو "داعش"، بعد ظهور الأخيرة في حي برزة وحي تشرين الدمشقيين. المفارقة، أنّ خطاب هذا "المعتدل"، المنتمي للخط السلفي الجهادي، لا يختلف في عباراته ومصطلحاته عن سواه من "المتشددين"، سواء لجهة الخطاب الطائفي والحديث عن "تطبيق الشريعة"، أو في "تكفير الديمقراطية"!

في كل الأحوال، يعتمد زهران علوش على سيطرته العسكرية على الأرض بحثاً عن دور له في أي تطوّر عسكري أو سياسي مقبل. دور يعتقد بعضهم أنّ عرّابه هو الشيخ معاذ الخطيب، الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض، والذي "صادف" أنه يزور تركيا بالتزامن مع زيارة علوش لها. وقد سبق للشيخ الخطيب الدفاع مراراً عن زهران علوش ضدّ من اتهموه بالتقاعس في قتال النظام، والتضييق على نشطاء المعارضة خاصة اتهامه باختطاف الحقوقية رزان زيتونة ورفاقها. وقد قال عنه الخطيب أنه "يحمل في صدره همّ أمة، ولوعة مجاهد، ويبذل جهده، وفوق رأسه همّ أكبر من الجبال"!.

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق