ماذا تريد موسكو حقاً؟

ماذا تريد موسكو حقاً؟
القصص | 17 أبريل 2015

كلمة واحدة وهامشية برزت بعد انتهاء موسكو2 قد تكون هي من يشرح مغزى السياسة الروسية والهدف منها، حيث أشارت وسائل الإعلام عن إلغاء "موسكو3" ليبدأ "الأستانة 1"، بعد أن كان موسكو1 نهض على جثة "جنيف2".

لا يمكن لعاقل في السياسة أن لا يدرك أن روسيا شريك أساسي للنظام السوري في لعبة الدم المفتوحة، وأنها تسعى لإنقاذه عبر عملية ترميم تسعى لها، إذ يكفي مراجعة المسار الروسي الذي حمى النظام في مجلس الأمن وقدم له الغطاء الدولي ودعمه بالمال والسلاح والخبراء طيلة أربع سنوات ونيف، حتى يدرك أنها لا تعمل إلا على تعويمه عبر تجميله ببعض "الشخصيات المعارضة".

وكون "العقلية" السياسية الروسية في الداخل الروسي نفسه لا تقيم وزناً لحقوق الإنسان والديمقراطية، فإنه من البديهي معرفة أن أي تغيير تريده موسكو لن يكون بهدف تحقيق دولة الحريات والعدالة، التي تدرك جيداً أن تمدد نموذجها عالمياً يهددها على مستوى بعيد، كما يهدد نموذج "ولاية الفقيه" الثيوقراطية، ما يفسر أحد جوانب توافق الطرفين في سوريا، ما يعني أن الهدف النهائي هو تعزيز النظام الذي تدرك موسكو أن المنظومة الأمنية فيه هي من يحمي السياسات التي تريدها، مدركة أن السلطة التي دخلت في صدام مفتوح مع شعبها لن تتمكن من إخضاعه بغير القبضة الأمنية المباشرة، ليختصر الحل بحكومة مشتركة تضم بعض أطياف المعارضة لإدارة الخدمات العامة، دون الاقتراب من الدولة العميقة (الأمن، الدفاع، الخارجية، الداخلية).

ثمة عائقين أمام موسكو لتحقيق رؤيتها تلك، الأول: هو المعارضة السياسية الداخلية ذات الشرعية التاريخية والرافضة للسلاح والتي تعلن أن مشروعها هو الانتقال الديمقراطي إلى الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية، والثانية هي القوى العسكرية المعتدلة التي تحارب على الأرض، والذي يعني هنا أن هزيمتها عملياً تكون هزيمة الائتلاف المدعوم غربياً لأنه يضع كل ثقله السياسي في المشروع العسكري على الأرض.

وإذا عرفنا أن "داعش" و"النصرة" إلى جانب قوات النظام تتكفلان اليوم بالمعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض، بحيث يبدو واضحا أن النظام يحاول ما أمكن أن لا ينسحب من منطقة إلا إذا أدرك أن الكتائب الجهادية ستسيطر عليها بعده، أو منطقة تكون مؤهلة لصدام المعتدل مع المتطرف، كي تبقى المقاربة واضحة ما أمكن بين نظام وإرهاب، في الوقت الذي تسوّق فيه موسكو ليلاً ونهاراً لمكافحة الإرهاب، لكي تعطل قدرة هذا الجانب على بلورة قوة تفرض نفسها على طاولة التفاوض.

وعلى مسار آخر تعمل موسكو على تفتيت المعارضة "الديمقراطية" تحت حجة البحث عن الحل السياسي في مؤتمرات مثل موسكو1 و2 و"الأستانة1، فكثرة المؤتمرات والعواصم تهدف إلى تضييع مرجعية "جنيف1" أو إلحاق مرجعيات أخرى بها، تشوّش عليها بمزيد من التفاصيل لإفراغ عملية التفاوض من محتواها، وتشويه سمعة المعارضة وسحب شرعيتها وإظهارها بمظهر العاجز عن إدارة البلاد، مقابل تعويم شخصيات محسوبة عليها بشكل تدريجي عبر المؤتمرات والإعلام، لتبدو بعد حين "جزءاً من المعارضة"، في حين أنها لا تفعل إلا أن تقدم رؤية السلطة وموسكو وإيران باسم المعارضة.

مع تقدّم الزمن يُفرّغ كل عمل سياسي معارض من محتواه وشرعيته وثقله، وتضعف القوى العسكرية وممثليها على الأرض، ليصل الجميع "طاولة التفاوض" بلا شكل ولا لون ولا طعم ولا رائحة، فيكون النظام "قوة" بين قوى ضعيفة ومنهكة، ولكنها صلبة وتحمل الحد الأدنى من مقومات "المفاوض القوي" بحكم الواقع، و "الأقدر" على قيادة شبه دولة في منطقة متوترة أساساً.

هذا ما تفكر به موسكو. ولكن السفن لا تسير كما تشتهي المشيئة الروسية، فالوقائع على الأرض بعد عاصفة الحزم تسير في اتجاه آخر، ولكنه كارثي أيضاً، ففي ظل تفتيت القوى السياسية لنفسها وفقدانها شرعيتها تدريجياً، وعدم قدرتها على تجاوز خلافتها وتشكيل جسم سياسي واحد، يبدو أي تقدم عسكري كأنه يتبخر في الهواء لعدم وجود جهة سياسية تستثمره بشكل صحيح، وتدافع عنه كي لا يصب في جيب داعش أو تستخدمه موسكو لسرد روايتها حول الإرهاب.

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق