روزنة تجتاز الجدار العازل وتدخل إلى بابا عمرو

روزنة تجتاز الجدار العازل وتدخل إلى بابا عمرو
تحقيقات | 14 أبريل 2015

لم تنتهِ معاناة حي بابا عمرو  إلى الآن، يقول أنس الذي عاش أسوأ أوقات الحي الحمصي الشهير ، عندما كانت القذائف تأتي من كل حدب وصوب، وعائلات بأكملها تدفن تحت الركام، ولا تجد أحداً ينتشل الجثث أو يشيع الجثامين.

المكان الذي ضجت به وسائل الإعلام،  وكان خبراً أولاً على الشاشات منذ ثلاث سنوات، بات الآن مدمراً ومنسياً، ولم  يتبق منه إلا مئات المنازل التي لم تدمرها الحرب، نصفها خاوية ولا أحد يعلم أين أصبح سكانها، بحسب أنس الذي غادر بابا عمرو منذ حوالي سبعة أشهر.

ويقول الشاب لروزنة :" لم يعد للحي إلا بضعة آلاف من سكانه الذين لم يجدوا مكاناً يؤويهم، ولاقدرة لهم على تحمل أعباء دفع أجار بيت، أو حتى غرفة صغيرة خارجه".

حياة بدائية 

لا يمكن وصف حياة أهالي الحي هذه الأيام، إلا بـالبدائية، فهم محرومون من أبسط مقومات الحياة، مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي لمدة 19 ساعة يومياً، وعدم توافر المراكز الصحية أو الصيدليات.

ويمنع النظام دخول المحروقات إلى بابا عمرو، منذ  ثلاث سنوات، فيما يعيش معظم السكان  على المساعدات التي تقدمها منظمة الهلال الأحمر،  بعدما تحولوا إلى عاطلين عن العمل.

تشتكي  أم حازم من عدم وجود المحلات التجارية، مضيفةً أن "السطات تمنع دخول أية سيارة أو وسيلة نقل، ما يجبرنا على الذهاب إلى أحد الأحياء المجاورة سيراً على الأقدام مسافة 20 دقيقة، لشراء ما يلزمنا من الطعام و الألبسة وأدوات التنظيف وغيرها من حاجيات".

و يجب على المرضى قطع كل تلك المسافة من أجل المعاينة الطبية، أو شراء الأدوية، أما في حالات الوفاة، فعلى أسرة الميت أن تحمل النعش وتمشي به خارج الحي من أجل دفنه، فسيارات الإسعاف ممنوعة من الدخول أيضاً. 

أما ندى، فتؤكد أنها لم تعش أوضاعاً أكثر قسوة من تلك التي تمر بها اليوم، ففي الشتاء تضطر مع أهلها إلى تحطيب الأشجار المتبقية في حدائق الشوارع،  و يدخلون إلى المنازل المدمرة، التي هجرها سكانها، للحصول على خشب الأبواب والنوافذ المحطمة من أجل التدفئة. 

جدار عازل! 

قامت قوات النظام أيضاً، ببناء جدار على طول الخط الحديدي المحاذي للحي، والذي يفصله عن المدينة الجامعية ومساكن الادخار شرقاً، وبذلك يكون النظام قد فصل بابا عمرو عن حي الإنشاءات من الشمال والمناطق الواقعة شرقه، أما منطقة البساتين من الغرب وحي السلطانية وجوبر من الجنوب، فهي مناطق غير مأهولة بالسكان حالياً.

بعد فصل الحي بأكمله وعزله عن باقي محيطه البشري، بات المتنفس الوحيد للسكان يقبع تحت رحمة عناصر الحاجز الأمني، ولذلك فإن معظم من عادوا إلى الحي، هم من الرجال المسنين والنساء والأطفال، أما الفئة الشابة فنادرة الوجود هناك.

"الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 سنة و40 سنة أعدادهم لا تتجاوز المائة شخص، بعضهم تم اعتقالهم بعد عودتهم للحي وبعضهم خرج منه"، تقول فاطمة التي تسكن في الحي، مؤكدةً  أن  الشبان المتبقين لا يغادرون منازلهم إلا في المساء خوفاً من اعتقالهم. 

تضطر معظم النساء للخروج من الحي لجلب ما تحتاجه منالهن، وتتحملن معاناة الانتظار على الحاجز، حتى يسمح العناصر لهن بالدخول والخروج، رغم أنهم باتوا يحفظون أشكال جميع السكان عن ظهر قلب، حسبما تؤكد فاطمة. 

وتوضح: "مازالوا يقومون بتفتيشنا وتفحص أجهزتنا الخلوية والعبث بما نحمله، في كل مرة نخرج أو ندخل للحي، ناهيك عن بعض العبارات البذيئة من قبل بعضهم عندما يشاهدون بعض حاجياتنا الخاصة بين أمتعتنا".

عائلات في المنفى 

يؤكد زكريا الذي يسكن في الحي، أن هناك  عشرات العائلات التي خرجت أيام المعارك وحاولت العودة، إلا أنها تعرضت للطرد، بأمر وتنفيذ من ضابط الأمن أبو إبراهيم. 

أبو حسين هو أحد الذين طردوا من منازلهم ومنعوا من العودة إليها مجدداً، يقول لروزنة:" أتى إلي أبو إبراهيم وطلب مني أن أرسل في طلب ابني الأصغر، الذي يعمل في لبنان منذ 5 سنوات، وعندما أخبرته أن ابني لا يستطيع ترك عمله، هددني بالطرد وأمهلني يومين لإحضاره".

وبعد انقضاء المدة، تم طرد أبو حسين وعائلته من المنزل، ولم يسمحوا لهم إلا بإخراج ملابسهم. 

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق