هيئة التنسيق حصاد قمح أم صراع على البيدر؟

هيئة التنسيق حصاد قمح أم صراع على البيدر؟
القصص | 17 مارس 2015

يقول الفيلسوف ارغولول "لا تحاول، عبثاً، عندما تظهر العاصفة الهروب منها، لابد أن شيئاً فيك قد دمّر بعد رحيلها ولكن روحك أٌصيبت بعدوى قوّتها". هل هذا هو حال هيئة التنسيق الوطنية الآن؟

نشر بعض أعضاء الهيئة "بيان استقالة" على مواقع التواصل الاجتماعي، ادعوا فيه أن أكثر من 30 عضواً من هيئة التنسيق، بينهم من هو عضو مكتب تنفيذي أو عضو مجلس مركزي، استقالوا من هيئة التنسيق الوطنية تزامناً مع الإعلان عن تشكيل تيار "قمح" بزعامة هيثم مناع، الرئيس السابق لفرع الهيئة في المهجر.

حالة طبيعية أن تتمايز تيارات وتتشكل مسارات مختلفة داخل الأحزاب والتجمعات السياسية في ضوء صراع الأفكار والفلسفات السياسية، والتي قد تصل الى حد الافتراق والشقاق، سواءً من حيث الأهداف أو من حيث وسائل تحقيق هذه الأهداف. ولكن هل هذه هي الحقيقة التي تكمن خلف هذه الاستقالة/ "الانشقاق"؟

إن تصنيف هذا الانشقاق، كما يحلو للبعض، في خانة صراع محاور إقليمية أو دولية هو ذرٌّ للرماد في العيون ومحاولة لتعويم التيار الجديد على حساب رفاق الأمس. فالحدث لا يعود الى صراع فكري سياسي في الهيئة بل إلى صراعات أخرى هي تحت هذا المستوى بكثير. صراعات ترتبط بمصالح فئوية وشخصية. صراعات على من يتواصل مع الأمريكي والروسي، ليس لأنّهم روس وأمريكان، بل عبر من يتمّ التواصل، ومن يمثل قناة التواصل تلك.

في 2013، وبعد مؤتمر جنيف لقوى التغيير السلمي، ذهب هيثم مناع إلى نيويورك وادعى أنه التقى بمسؤولين في الخارجية الأمريكية ليسوق لهذا القطب السلمي، عجباً! كيف يأخذ إذاً على الناس الآن ما يبيحه لنفسه؟

بالتالي، إن ظهور التيار الجديد "قمح" ليس ناجماً عن صراع فكري داخلي أو موقف سياسي كما يُراد الترويج له، بل هو نتيجة موضوعية لسياسة اقصائية جبريه ولاديمقراطية. لقد جرى التخلص من كافة العناصر "المشاغبة" التي لا تسبّح بحمد قادتها، ولعب المال دوراً مهما في عدد المؤتمرات، وعدد ونوعية الحاضرين. هكذا تم تشكيل كتله متجانسة من الموالين للخط المفروض، والذي لا يبتعد سياسياً عن خط الهيئة سوى بأسماء الأشخاص الذين يمثلونه.

تكمن خطورة هذه الخطوة بشكل أساسي في أن المصلحة الشخصية تفوقت على المصلحة الوطنية. فهيثم مناع الذي يناضل من أجل توحيد المعارضة في القاهرة لا يضيره أن يلتقي من هم من منظري السلاح والتدخل الخارجي، بما يتناقض مع مبادئ الهيئة، ثم يضيره أن يلتقي بعض أعضاء الهيئة في باريس أعضاءً من الائتلاف بينهم ممثلون عن الاخوان المسلمين، مما يدفعه للانشقاق عن الهيئة!

هذه الازدواجية تلغي عمليا هذا الإدعاء وتعرّيه من هذا اللباس المبدئي الذي يراد تغطيته به. معطى آخر يدحض هذه النظرية، أن قسماً مهماً ممن هم الآن في تيار "قمح" قد صفقوا للقاء باريس قبل أن يتبين لهم اعتراض هيثم مناع عليه.

باستثناء ماجد حبو (عمل شيوعي) لم يخرج من الهيئة من هم محسوبون على الأحزاب، وإنما مجموعه من الشباب "المستقلين" الذين عمل هيثم مناع ومعه السيدة لقاء عجيب المعروفة بـ "صدى حمزة،  على تأطيرهم عبر منحهم هامشاً تنفيذياً ضمن عمل الهيئة، وهو الذي لا يعطي أي مساحة أخرى للقرار أو لتحديد سياسة الهيئة، ففي مؤتمر جنيف للقوى السلمية مثلاً،  نشأ خلاف حاد مع هيثم عندما أظهر بعض الشباب الرغبة في صياغة البيان الختامي.

لا يمكن تقدير تداعيات هذا الانشقاق في الوقت الراهن سواءً على عمل الهيئة أو الحراك السياسي للمعارضة، ولكنّ تفاعل أعضاء الهيئة على مواقع التواصل الاجتماعي والتراشقات والاتهامات المتبادلة، أظهرت حجم الشرخ الذي أدى اليه هذا الانقسام التنظيمي، وإذا لم يسارع الطرفان لاحتواء الارتدادات ذات الصلة، فإنها ستهدد ما تبقى من مصداقية الهيئة وشعبيتها.

 بعض القراءات تنزع للقول إن هيثم مناع بصدد تشكيل تيار جديد مع بعض أعضاء الائتلاف الوطني, هذا الأخير الذي يواجه خطر التفكك، في ظل التحولات الدولية وأولويات السياسات العالمية في المنطقة. وبالتالي يمكن البناء على أنقاضه خاصةً وأن مصر قد تفاهمت، فيما يبدو، مع السعودية على سحب الملف من أيدي الأتراك، أو على الأقل تحجيم دورهم المحوري في حراك الائتلاف.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق