دفعتني جملة متداولة بين السوريين في العالم الإفتراضي، لأن أعاود السؤال والبحث في قضية مازالت حتى اليوم تؤرق الجميع وتشكل وصمة عار على جباه المسؤولين والسياسيين حتى ولو حاولوا ستر عورتها وإبقاءها في المطبخ.
للوهلة الأولى يعتقد المرء أن البشر قد تعلموا شيئاً من تجارب سابقة أو من خبرات الآخرين الأكثر تطوراً ووعياً، لكن جملة كـ"خدوا طريق" تعيدك مئات السنين إلى الوراء، حتى ولو كانت على سبيل المزاح إلا أنها تشغل البال والفكر وتقودك إلى السؤال عن مايمكن أن يكون عليه حال المرأة في يومنا الحالي وفي بلادنا على وجه الخصوص. لكن وبعيداً عن الغوص في متاهات الآراء المتضاربة والفهم الخاطئ لبعض المفاهيم، قد يكون من الأجدى أن نتابع على أرض الواقع بعض الأدلة والبراهين وأن نستمع لقصص حقيقة قد تغير بطلاتها مع الزمن كل مفهوم أو اعتقاد بال مازال يتمسك به البعض منا.
فعلى الرغم من الكم الهائل من العتمة الذي تبثه لنا المحطات التلفزيونية عما آلت إليه أحوال بلادنا وشعوبنا، يأتي شعاع أمل من نساء سوريات اضطرتهم الحرب للنزوح واللجوء في بلدان وبيوت غير بيوتهن، عشن مرارة الحرب بكل ما للكلمة من معنى ووصلت بهنّ الأمور في لحظةً ما إلى الاستسلام لكنهن عاودن النهوض وتحولن من مدبرات سابقات لمنازلهن إلى مدبرات حياة بأكملها.
زهرة إحداهن، لا أعلم لم أتخيلها (إيرين بروكوفيتش) سوريّة، فهي قبل سنتين من الآن فقدت كل مايمكن أن يتخيله المرء، غاب الزوج والعائلة، غاب الوطن والمنزل، وبقيت وحيدة مع ثلاث أولاد، وعاشت فترة من انعدام الأمل والخوف، ثم قررت أنها لن تقف مكتوفة اليدين بعد الآن. انضمت إلى برنامج لإحدى الجمعيات الخيرية في لبنان واستطاعت أن تطور مهاراتها المتواضعة في الخياطة لتنسج بعدها لوحات فنية بيع البعض منها فشعرت أنها قادرة على تأمين حياتها بنفسها، بل أكثر من ذلك فهي الآن تتابع شغفها القديم في الدراسة إلى جانب العمل وتنشئة أطفالها.
زهرة تقول أنها اكتشفت صندوق الكنز بداخلها، فتلك المبادرة التي تقوم بها عدة جمعيات ومنظمات غير حكومية كانت حجر الأساس الذي أعاد إليها ثقتها وقدرتها على الاعتماد على نفسها بعيداً عن طلب المساعدة من أحد، فهي تعلمت كيف تصطاد لا كيف أن تطلب السمكة من الصياد. وقريباً جداً ستقوم نساء مثل زهرة بافتتاح معارض فنية ليعلن عن ثورة من نوع آخر، كتلك التي حصلت في أوروبا والولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين للمناداة بحقوق النساء العاملات أو تلك التي حدثت في روسيا القيصيرية والتي هزت عرش القيصر وأخرجت الروسيات مما كان يعرف بعبودية المطبخ.
وإذا كان البعض مازال متمسكاً بمفهوم "خدوا طريق" أو "تغطوا يانسوان"، فإنني أقول له افسح الطريق لنجاحات نسائية قادمة ستأخذ مكانك ودورك، إذا مارأيت ماتقوم به الناشطات السوريات وزوجات المعتقلين والأمهات اللواتي يعتمدن على أنفسهن لتأمين حياة لأطفالهن، فإنك ستفهم ماهن قادرات على فعله في زمن عجز الرجال فيه عن إيقاف حرب أو درء القتل عن شعوب وأطفال.
*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.