منذ خمس سنوات طلبت منها أن تعطيني رأيها في الإضراب عن الطعام، الذي قام به مجموعة من السوريين طواعية في بيوتهم، تضامناً مع المعتقلين، من خلال موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، فلم تبخل في الإجابة وحدثتني يومها عن تضامن زوجها الدكتور اسماعيل الحامض معها ومؤازرته لها في ذلك اليوم، وغابت عني أخبارها حتى تاريخ اعتقال زوجها بتاريخ ٢ـ ١١ـ ٢٠١٣، في مدينة الرقة من قبل عناصر داعش.
شكل خبر اعتقال الدكتور اسماعيل الحامض صدمة كبيرة للكثيريين الذين يعرفون مناقبيته وحبه لعمله ومساعدته للمرضى وتفانيه في خدمة أبناء مدينته الرقة، رغم محاولة البعض تبرير اعتقاله بالقول إن داعش لديها أسباب مقنعة، ولكن أي عاقل لن يؤمن بحكم داعش ولا بحججها وبإعطائها سبباً للوجود والاستمرارية.
منذ اليوم الأول لاعتقاله كرست زبيدة خربوطلي صفحتها على "فيسبوك"، لنشر يوميات اعتقاله للتعريف به وبقضيته حتى يسمع صوتها الجميع، وغيرت اسمها إلى زبيدة اسماعيل الحامض.
حال زبيدة حال الكثيرات من السوريات اللواتي لديهن معتقلين لدى النظام السوري ولدى ميليشيات داعش وغيرهم من الكتائب الإسلامية، فمنهم من استطاع أن يصل بصوت معتقليه إلى الإعلام والمحافل الدولية، ومنهم كزبيدة التي اختارت العمل على التعريف بقضية زوجها من داخل الرقة من خلال صفحتها، فعملت بجد عن مؤسسة كاملة، واستطاعت لوحدها أن تجذب الكثيريين لصفحتها لقراءة ما تكتب بشكل يومي، صدق مشاعرها ونبل كلماتها كانت محركاً كبيراً دفع الكثيرين للحديث عنها كسيدة وقفت دون سند من أحد بمواجهة طغيان داعش تنتظر خروج زوجها، بمؤازرة بناتها وابنها حازم، والكثير من الأصدقاء.
أحياناً يشعر القارىء بالعجز حتى عن وضع اشارة الإعجاب على منشوراتها الملامسة للوجع، وجع السوريين عامة ووجعها بشكل خاص، فما تكتبه قاس على من لا حول له ولا قوة، على من لا يستطيع أن يفعل أمام ما يجري أي شيء.
ومن فرط يأسها من كل من حولها وممن يعطيها إجابة شافيه عن حال زوجها ومكانه، طلبت من محرك البحث الشهير "غوغل" أن يدلها عن مصير زوجها، فكتبت: "مشان الله ياغوغل بلكي أنت بتقدر تساعدني وتطلع أحن من كتير بشر"، ووضعت صورة لما كتبت في محرك البحث: "وين بلاقي الغالي اسماعيل الحامض".
ومن منشوراتها الموجعة التي تعكس الواقع المرير في مدينة الرقة كتبت: "قد تكون أراضي محررة من النظام ولكنها أراضي محتلة لحرية وكرامة الإنسان".
في اليوم الخمسين لغيابه كتبت: "اليوم الخمسين على غيابك أبو حازم.. أنا أسفة الكهربا كانت مقطوعة ماحسنت أصبح عليك.. مساء الحب والحنين معطر برائحة الياسمين مساء الأمل والتفاؤل مساءك حرية ونحن بانتظارك".
لا يمكن أن يمر أي أحد مرور الكرام على صفحة سيدة سورية قوية بعنفوانها وجبروتها ونبل مشاعرها، فهي تعطي المتصفح جرعات من القوة والفخر، ولكن ماذا بعد، من مِن الممكن أن ينصف تلك السيدات، أن يكون له دور في عودة المختطفين والمعتقلين على كافة الأراضي السورية، من يملك غير الشجب والندب والتصفيق، إن المرء عاجز حقيقة عن تقديم شيء ملموس، شيء يعيد لوجوه السوريين الفرح، فبعد أربع سنوات، يزداد واقع السوريين ألماً.
لا يمكن لشذاذ الآفاق أن يقودوا السوريين إلى بر الأمان، إنها الفوضى التي يبددها وجود من هو مخلص لقضيته، كزبيدة وغيرها من السيدات السوريات اللواتي ينحتن بالصخر أسلوب حياة لواقع سيكون أفضل بلا شك، طالما نملك من هم بتلك العزيمة.
من يملك الصبر على انتصار قضيته وتوثيقها بهذا الشكل المدهش لابد أن ينال مراده، لا بد أن ينتج أجيالاً واثقة وقوية وغير ملوثة بآلة الحرب اليومية.
تحية لك زبيدة وتحية لكل سيدات سوريا اللواتي يمنحن دروساً يومية في مقاومة ثقافة الموت، لتكريس ثقافة الحياة.
الحرية للدكتور اسماعيل الحامض ولكل المعتقليين والمعتقلات على كافة الأراضي السورية.
*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.