الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، هو يومٌ للتعرّف على مشكلات المرأة في العالم، وإعادة تأكيد لحقوقها، وإقامة مختلف النشاطات للتذكير بها. هو رغبة عالمية لدى أنصار الاتجاه الحداثي للوصول إلى المساواة والحرية للمرأة مع الرجل، ولرفع الظلم عن الاثنين معاً. كان الحلم ذاته يداعب مخيلة السوريين في العام الأول للثورة. حينها شاركت المرأة في كافة النشاطات. رُفعت على الأكتاف للهتاف، ودَونت الشعارات، وكتبت على الجدران، واعتقلت كما الرجال؛ وكان الاعتقال الأشهر لها من أمام مبنى وزارة الداخلية 21-3-2011. شاركت بتأسيس التنسيقيات الأولى، وخرجت من المنزل إلى لقاءات سياسية ودون إعلام الأسرة، واخترعت ألف سبب وسبب لتجاوز عقبة ذويها الخائفين عليها للمشاركة بالمظاهرات. منهن تركن المدن والقرى الأصلية وذهبن إلى العاصمة للمشاركة. وهناك من أتين من خارج سوريا أيضاً للسبب عينه. لم تتخلف امرأة سجنت في الثمانينات عن المشاركة.
عاشت سوريا حينها على رغبات اليوتوبيا. وواقعياً كان السوريون يحققونها على الأرض. هذا الحلم بدأ بالتراجع حالما بدأت الاعتقالات والسجون تطول، وحينما بدأ عداد الموت يتصاعد؛ ولاحقاً توقفت مؤسسات الأمم المتحدة عن عّد الشهداء في سوريا. مع بدء ذلك انحصرت مشاركة المرأة بأعمال الإغاثة، والطبابة، وتأمين حاجات الملاحقين من الذكور؛ فالنساء يستطعن الحركة أكثر والرقابة عليهن أخفّ. العام الثاني للثورة شهد كثرة حالات الاعتقال لإجبار الرجال على تسليم أنفسهم لأجهزة الأمن. وبدأ الكلام مع أواخر العام الثاني للثورة عن حالات اغتصاب تعرضت لها النساء، وبدأ الخوف يتصاعد عليهن لدى جمهور الثورة؛ فتمّ الكلام معهن برفق للتوقف عن التظاهر، فهن قد يتعرضن للاغتصاب وهذا لا يحتمل! وحين حدثت تلك الانتهاكات تخلت أسرهن عنهن، وهذا ما اضطر بعض رجال الدين كالشيخ كريّم راجح، للتنبيه أن المرأة التي تعرضت للانتهاك الجنسي وسواه يجب الوقوف معها ومراعاتها بل والزواج منها. ولكن ذلك الصوت لم يؤخذ به، فالعادات أقوى بكثير. وكانت النتيجة إقدام عدد من النساء على الانتحار ممن كنّ مشاركات بالثورة واعتقلن واغتصبن.
بدأ التضييق على المرأة بمنعها من المشاركة بالمظاهرات، وفي العام الثالث للثورة لم نعد نشهد أي حضور لها؛ اليوتوبيات أصبح أضغاث أحلامٍ!. وفي العام الرابع ومع تصاعد الجهادية انتهى دورها نهائياً وعادت إلى المنزل. الهام ملاحظته هنا أن دورها انتهى حينما انتهى دور الشعب، وتَحكّم بأماكن الثورة السلاح والجهادية؛ وهذا دلالته هامة أن من ينصف المرأة هو الشعب، وأن حقوق المرأة لا يمكن أن تصل إليها إلا حينما يكون الشعب بحالة ثورة أو يشهد تغيرات واسعة، وبالتالي لا يمكن المغالاة بالحديث عن حقوق خاصة للنساء أو نضالٍ خاصٍ بهن، وإنما يجب المطالبة بحقوق النساء ضمن رؤية كلية للتغيير في المجتمع، ولم يضف شيئاً يذكر لقضية المرأة إنشاء منظمات متخصصة بحقوقها انبثقت في الأعوام الأربع للثورة؛ إذا شدّد الحصار على المرأة وأغلقت عليها الأبواب والنوافذ بما يتعلق بالسياسة، ولاحقاً بمختلف النشاطات.
أنشئت الجهادية حينما أحكمت سلطتها المحاكم الشرعية، والتي ترفض كل شرع إلا شرعها؛ وبدأت تفرضه على المجتمع، وكثرت الانتهاكات ونفذت حدود قطع اليد والجلد والقتل ورجمت النساء؛ فإن لم يرتدين اللباس الشرعي "الطالباني" فإن أسرهن ستدفع غرامات في أولى المخالفات، ولاحقاً تجلد في الساحات؛ داعش الغارق في شرع القتل، أسس في "دولة خلافته" كتيبة نسائية لملاحقة النساء في الشوارع، ومنهن مسؤولات عن مراكز الاعتقال للنساء. طبعاً مارس داعش وجبهة النصرة، القتل للنساء رجماً بالحجارة أو رمياً بالرصاص؛ وهذا إنذار للمجتمع بأكمله، فإن لم تبايعونا فإن مصيركم كحال النساء تماماً.
ومع مجيء "الإرهابيين الدوليين" إلى داعش أو النصرة وداعش بشكل رئيسي، تمّ إجبار الأهالي على تزويج بناتهن منهن؛ لم تتوسع الظاهرة كثيراً، فكثير من الأهالي رفضوا ذلك ومنهم من ترك البلاد للسبب عينه. وهنا ساد الزواج المبكر، وتحدثت تقارير كثيرة عن زواج يشبه الاغتصاب، ولم يكن للنساء فيه أية رحمة؛ وهذا ما يعزّز تحليلاً هاماً يربط بين الجهادية والكبت الجنسي ويقول: إنّ الجهاديين يعانون كبت جنسي متصاعد، وهو واحد من أسباب الميل الجهادي للعنف وللثأر من العصر الحديث حيث الحقوق الواسعة للمرأة، وبالتالي باغتصاب المرأة أو رجمها أو قتلها يثأرون لذاتهم الذكورية المكبوتة التي تركتها البشرية في القرون الوسطى.
داعش بممارساته يضع نهاية لحكاية الثورات ولحقوق المرأة. ففي أرض الخلافة سبيت النساء، وبيعت في أسواق النخاسة، واغتصبت، وأكرهت على الزواج بمعتوهين ومكبوتين جنسياً؛ في زمن الخليفة لم تسود الرحمة؛ بل كان الموت يلاحقهن كيفما تحركن. يبدأ من التضييق على حرية حركتهن ووصولاً إلى قتلهن. مورس ذلك في العراق بشكل واسع وفي سوريا أيضاً.
حلم الوصول إلى دولة مدنية كما طالب الشعب حينما ثار، وساد كفهمٍ عام في السنة الأولى انتهى بأكمله. كان مرتبطاً بنشاطات الشعب وحينما أصبح الشعب محاصراً أو مهجراً أو تحت حكم الخلافة أو الأمارة أو السلفية الجهادية انتهى الحلم. العبرة هنا تقول: لا حقوق للمرأة ما لم ينال الشعب بأكمله حقوقه؛ وكل ميل نحو التمايز عن حقوق الشعب مصيره الفشل الكامل.
مجدداً الحلم بحقوق متساوية سيعود حينما يعود الشعب إلى تجديد ثورته.
*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.