هل تتقسم سوريا إلى دويلات طائفية؟

هل تتقسم سوريا إلى دويلات طائفية؟
القصص | 01 مارس 2015

بالتقسيط المريح تمرر دول العالم مشاريع التقسيم فيما بينها بناءً على مصالحها الخاصة، وكلّ بحسب نظرته للمستقبل، ثم يسربونها لنا في كل مناسبة من خلال وسائل إعلامية تخدمهم، ويصورونها في أفلام هوليوود تارةً ثم يطبعونها كتباً ومجلدات باهظة الثمن تارةً أخرى. ربما هي سياسة السياسيين في برمجة العقول وتدريبها على تقبل فكرة التقسيم والتقطيع والتفريق. ويبدو أن هذه السياسة القديمة الحديثة أعطت ثماراً في الماضي وهاهي تبشر بمحصول جيد في المستقبل القريب. فالشعوب العربية في الدول التي تعصف بها الحروب والفوضى بدأت تميل للاستسلام إلى فكرة الأمن مقابل الحرية، وبالتالي فمن يتحكم بمصير البلاد لن تكون الشعوب التي تعرف نفسها جيداً أنها لاتريد التفرقة وأن ليس من مصلحتها المرور عبر حدود صناعية جديدة غير تلك الموجودة أصلاً ودفع مبالغ مالية كبيرة كي يتنقلوا من أرض إلى أخرى.

في منتصف كانون الأول من عام 2013 نشرت صحيفة نيويورك تايمز وثيقة سياسية ادعت أنها جمعت معلومات من خبراء ومؤرخين في شؤون الشرق الأوسط، حيث تحدثت تلك الوثيقة عن (الربيع العربي) كمدخل لتفتيت الشرق الأوسط، وقالت الصحيفة حينها أن هذا التقسيم سيتم من خلال سلسلة من الحروب والمعارك الصغيرة منها والكبيرة والتي تؤدي في النهاية إلى تعديل حدود 1916 أي حدود اتفاقية سايكس - بيكو، حيث أن تلك الحدود القديمة لن تصمد طويلاً أمام متغيرات دولية وتحولات مذهلة قد تفاجئ العالم أجمع.

لاحقاً وبعد نشر تلك الوثيقة تمدد تنظيم داعش ووضع حدود الدولة المزعومة لتكون نقطة البدء في تحويل فكر الشعوب العربية نحو تقبل فكرة تغيير الحدود بل والشعور بضرورة ذلك التقسيم الحديث، حيث كان لدفاع الأكراد عن أرضهم وبيوتهم دور كبير في ترسيخ مفهوم الأرض لمن يدافع عنها، وبالتالي فإن أية مطالبة منهم في حكم ذاتي يأتي لاحقاً لن يكون مطلباً بعيد المنال خاصةً وأن عدداً من الدول الأوروبية تشجع على ذلك وعلى رأسها ألمانيا التي لم توفر جهداً ومساعدة إلا وقدمتها للأكراد.

جزء من العلويين في سوريا يرفض أن يزج بأبنائه وشبابه إلى ساحات القتال، بل وبدأ يرى أن فكرة قيام دولة تضم علويين ومسيحيين أصبحت ضرورة بعد أن تفلت الوضع الأمني في باقي المناطق السورية، وأصبحت الإنقسامات الطائفية أقوى مماكانت عليه في العقود السابقة، وقد يكون جزء من لبنان ضمن هذه الحدود الجديدة وذلك بحسب ما كشف عنه الخبير الفرنسي (بيار جان لويزار) الذي لم يستبعد حصول ترسيم حدودي جديد في المنطقة يشمل لبنان وسوريا والعراق في المقام الأول.

الواضح بأن التقسيم سيفرض على المنطقة بشكل أو بآخر، وذلك تبعاً لمعطيات كثيرة يتداولها ساسة العالم، وإذا نظرنا إلى الماضي القريب فنجد أن كل تلميح أو إشارة إلى تقسيم بلد ما كان يتبعها حروب أو أزمات عالمية ويقتل الآلاف من البشر لتكون النتيجة النهائية هي بالتأكيد التفتيت والتفرقة.

كوندوليزا رايس كتبت مقالاً في صحيفة (الفورين بوليسي) عندما كانت في مجلس الأمن القومي قبل أن تصبح وزيرة للخارجية الأميركية، دعت فيه إلى تقسيم العراق لثلاث دول، وكان هذا المشروع أحد الأسباب المهمة والغير معلنة التي دفعت جورج بوش الابن إلى شن الحرب في عام 2003. وفي الأمس القريب أفرجت الخارجية الأميركية عن مئات المشاريع التي تشير إلى حتمية التغيير القادم إلى المنطقة وضرورة زوال دول وممالك لطالما كانت حليفة وذلك تحضيراً للإنقلاب الكبير في السياسة الأميركية، والتي يبدو أن حروفها الأولى تخط اليوم في إتفاقية التفاهم مع إيران والذي سيتبعه حتماً مغازلة نحو الروس والصينيين.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق