قالوا عنهم أقليات.. الآشوريون هذه المرّة!؟

قالوا عنهم أقليات.. الآشوريون هذه المرّة!؟
القصص | 27 فبراير 2015

"مَن أولئك الذين كانوا يرسمون خطابهم المعرفي والسياسي ضد النّظام الشّمولي في دمشق على أنّه"حامي الأقليات"؟. بئس تلك السرديّات الاستشراقيّة، المتوهمة أمام نكبة الآشوريين في تل تمر"، هذه العبارات هي بوست فيسبوكي لصديق كُرديٍّ ثائر وهو صحافيٌّ أيضاً، لعلّه يشير إلى سطحيّة الرؤية والقراءات التحليلية لدى نخبة الثّورة وبعض السّوريين.

والحق أنّه للوهلة الأولى وما أنْ تسمع نبأً يفيد بأنّ "داعش تخطف تسعين مسيحيّاً في ريف تل تمر" حتى يتبادر إلى ذهنك عدد من الأقاويل، البعض منها تحلّل والبعض الآخر تخّون الأقليّات، دون القيام بمحاسبة الذّات ورؤيتها القاصرة، وعلينا أنْ لا ننسى الشماتة، من قبل بعض الذين يعيشون في كهوف العصبيّة الدينية والمذهبيّة.

ولا نستغرب أنّ النّظام وإنْ ادّعى ويدّعي بأنّه حامي الأقليّات، لم يكنْ همّه الأقلّيات ولا الأكثريّة حتى، فالنظام يقود مركباً من لحم ودم الاستبداد، يستغلّ حيناً العاطفة الجيّاشة، وحيناً آخر البؤس الذي يطغي على الأقليّات والأكثريّة، ولعلّ الهجوم على المسيحيين وقبل ذلك الكُرد في المناطق التي لا تبعد بضعة كيلو مترات عن أماكن تواجد قوّات النظام، هو دليلٌ حيّ على أنّ الأقليّات ورقةٌ للمساومة والمزاودة بين كلّ الأطراف المتصارعة، ما يعني أنّ الحرب تقضي على كل السّوريين وإنْ كانت بأشكال متباينة، فإذا كانت في بعض المناطق نار البراميل، ففي المناطق الأخرى داعش والتنظيمات الراديكاليّة.

عندما هاجمت داعش كُوباني ذهبت بعض التحليلات إلى أنّ الهدف من الهجوم على كُوباني هو رسالة للكُرد جميعاً وكذلك الأقليّات، بأنّ زمن البربريّة عاد من جديد، وأنّ المنطقة تتّجه نحو التسويّة مع التاريخ السيّء، وهو تغليب الاقتتال على حالة التعايش السلمي بين المكوّنات في المنطقة.

وعزا البعض أنّ اختيار داعش لكُوباني، كونها مدينة كُرديّة خالصة، وإنْ رغبيت في الجزيرة، فإنّها ستخلط الكثير من الأوراق، ولعلّ سطوع نجم داعش يبدأ مع تحريك الورقة الواحدة لذلك اختار تنظيم داعش كُوباني وليس الجزيرة. ولكن بعد أنْ انكسرت شوكة داعش واتّجهت نحو الانزلاق يوماً تلو آخر، يبدو أنّ داعش لم تستطع البقاء على تحريك الورقة الكُرديّة فقط، وأنّ التحليلات تقول: نتيجة أنّ الكثير من قيادات داعش من البعثيين العراقيين، فإنّ دروس صدام حسين في إضرام النّار لازالت حيّة في مخيلة كلّ منْ له صلة بالصدّاميين، لذا فإنّ داعش في هجومها الأخير على الآشوريين والكرد تريد من ورائها خلط الأوراق وإضرام النّار بالكل، ومن يدري، ربّما تظن "داعش" أنّ فرصة خلاصها تكون من نافذة إحراق جميع الأوراق!

بيد أنّ ما لا تدركه داعش أنّ ورقة الأقليّات هي أوراق ذهبيّة، فإذا كانت بوابة لداعش لفرض الرهبة والخوف، من خلال التنكيل بهم، فهذه الأوراق هي التي تؤسّس وتصيغ علاقات ناضجة، لكنْ هذه المرة من

خلال معرفة الأقليّات بكيفية استثمار أوراقها الذهبيّة، ولعلّ التلاحم الكُردي والسُرياني والآشوري بالجزيرة دروس يمكن قراءتها لمرّات عدّة لأجل سوريا المستقبل!

بقي أنْ نقول: إذا كانت قصّة نجاح تنظيم "داعش" وكيفيّة تمدّده وتحوّله لقوّة أرهبت الناس والحكومات، بدأت في لحظة حملته الشهيرة ضد مسيحيّ العراق السريان والآشوريون، مع احتلاله للموصل وفرض الضرائب عليهم والتنكيل بهم وثم التوجّه نحو شنغال (المنطقة الكُرديّة الأيزيديّة) التي تقع ضمن المناطق المتنازع عليها، حيث قتلوا رجالهم، ودمّروا بيوتهم وأخذوا مالهم، وسبوا نسائهم، تطبيقاً لمقولة "داعش" الشهيرة التي تردد في الجوامع كل يوم الجمعة: "مالهم ونسائهم حلال علينا"، فإنّ قصّة فشلها بدأت مع انكسارها الصريح وفشلها المقيت، عندما هربت من كُوباني تاركة خلفها جثث عناصرها وعدّتهم القتالية، ولعلّ اخطتافهم للمسيحيين في الجزيرة التي لا تبعد عن قوّات النظام السوري ببضعة كيلومترات، لمْ تتحرّك هذه القوّات قيد أُنْملة، كما لو أنّ الحرب في الجانب الآخر من الحدود، وهذا ما يشكّل نقطة انعطاف كبيرة في سير عمليّات داعش، بمعنى أنّه إذا كانت نشوة قوّاتها عندما هتكت بالمسيحيين في العراق، فإنّ المنطق الطبيعي لسير الأوضاع يقول: إنّ احتلالها واختطاف الآشوريين هي الفصل الأخير من سيطرة داعش على إرادة السّوريين في المناطق التي تُعتبر " الأقليّات"!


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق