في شارع لا يتجاوز طوله المائة متر في حي الإنشاءات الحمصي، حوَل تجَار مهجرون الجوانب إلى سوق شعبي، سَقفُوه بألواح التوتياء وقسَموه إلى دكاكين صغيرة بالألواح نفسها.
باستثناء اسمه _سوق التنك، وتنوع بضائعه (خضار، ألبان، بزورية، ألبسة، ملحمة، أدوات منزلية، خياطة!، مطاعم وجبات سريعة، حلويات) وغيرها من الأشياء التي تدهش تواجدها في هذا السوق الصغير، لا يوجد شيء قد يبدو غير مألوف عن باقي الأسواق الشعبية في سوريا، ولكن.. في الحقيقة لهذا السوق الحديث العهد حكاية مختلفة.
يروي أبو عبدالله، بائع توابل في سوق التنك قصته لروزنة: "بعد اندلاع المعارك سريعاً في حمص القديمة، لم استطع إنقاذ دكاني.. بقيت فترة طويلة دون عمل، إلى أن سمعت من أصدقاء لي عن بناء سوق جديد.. وها أنا اليوم عدت لأفتح دكاني من جديد في سوق التنك".
يقف الرجل كل اليوم أمام دكانه المعدني، بين أكياس الحبوب والتوابل ينتظر استفتاحية طيبة عند الصباح، يقول "تمر أيام لا أبيع فيها بليرة.. سأبحث عن عمل ليلي".
لم ينفع رخص أسعار سوق التنك في جذب المشتريين، حيث يعتبر منطقة خطرة بالنسبة للكثرين من سكان المدينة، والذين يفضلون البقاء بعيداً عنه، نظراً لقربه من حي الوعر، وسقوط قذائف هاون عليه تسببت بمقتل العديد.
أنشأ سوق التنك بجهود مجموعة تجار نزحوا من مناطق مختلفة في حمص، استطاعوا منذ قرابة السنتين، الحصول على ترخيص من محافظة حمص لبناء هذا السوق قرب جامع الفردوس في حي الإنشاءات.
أجارات جماعية
يسكن أغلب تجار هذا السوق في الأحياء المجاورة له، بعد أن تهجر معظمهم من المناطق المنكوبة في حمص، حيث يعاني معظمهم من الفقر، صفوان رب أسرة استأجر مع ثلاثة من إخوته وهم أرباب أسر أيضاً، بيتاً في الإنشاءات، يقول لروزنة "ارتفع أجار البيت إلى الـ20 ألف ليرة في الثلاثة أشهر الماضية لم يعد باستطاعتنا أن ندفع أكثر.. أتقاسم دفع هذا الأجار مع إخوتي".
تغريم ومخالفات مجحفة
"ليتها أكبر المصائب" يقول صفوان، قاصداً عيشته الصعبة في بيت يأوي ستة عشر شخصاً، يتابع "غُرمّتُ الأسبوع الماضي بمبلغ 10 ألاف ليرة، بتهمة أنني أبيع جملة وليس مفرق كما يفترض، بعد أن كان بحوزتي 70 كيلو بطاطا".
يبرر تاجر الخضار شرائه لهذه الكمية الكبيرة بأن "البطاطا لا تفسد بسرعة كباقي الخضروات، كما أن الطلب عليها كبير"، وأن إعفاء المديريات المحلية في حمص تجار السوق من الرسوم والضرائب، تعوضه أكثر في المخالفات المشحفة، مؤكداً وبحسرة؛ أن الغرامة التي تكبد بها أكبر من سعر البطاطا التي كان ينوي بيعها.
لم يكتفي هؤلاء بهذا القدر من الحرب، كان محمد على دراجته في طريقه إلى لتوصيل الخضار عندما سقطت قذيفة هاون قربه تسببت بوفاته في نيسان الماضي، يقول والده في حسرة "لقد هربنا من الرصاص والقذائف في الخالدية إلى هنا وقلنا الحمدالله.. لم يتركونا في سلام، قتل ابني أمام عيني".
قتل العشرات من المدنيين جراء سقوط قذائف على سوق التنك مطلع السنة الفائتة، وسط صمت تجار السوق الذين لم يبادروا لاتهام أو تحميل المسؤولية لأي طرف من أطراف القتال السورية.
بعد أن فقد ابنه، لا يرغب أبو محمد بالعودة إلى السوق في حمص القديمة، فقد اعتاد على حياته الحالية حسب قوله، ويضيف "لا نريد شيئاً.. فليتركونا بسلام فقط"، متمنياً عودة الاستقرار إلى بلده، ليتمكن من افتتاح محل (السوق الصيني) الذي لطالما حلم به.