اعتاد المثقفون السوريون العلمانيون عموما وبينهم مثقفون من أصل علوي على نقد الأسلام واستسلهوا الأمر حتى أصبح عادة متأصلة فيما يبدو عند بعضهم، يعبّرون من خلالها عن موقف انفعالي من الأسلام يقوم في الحقيقة على جهل له يدفعهم لنقده بطريقة التعميم، فلا يفرقون في نقدهم المتسرّع والسطحي بين الأدبيات الأسلامية بنوعيها المقدس (قرآن وسنة) والتاريخي (فقه وفتاوى واجتهادات) من ناحية، وبين الممارسة كفعل بشري ناقص ومفارق للنص بالضرورة من جهة ثانية، وبين الحركات الإسلامية السياسية الحديثة من جهة ثالثة، بحيث يخلطون بين كل ما سبق ليصبح عندهم كله إسلام لا فرق فيه بين مستوى وآخر وبين إسلام ومسلمين.
هؤلاء في نظرتهم الشكلية ونقدهم المتسرّع للإسلام يعبّرون من ناحية أخرى عن تعال غريب عن الثقافة التي انجبتهم أصلاً ويتغذون منها باعتبار أن ثقافة معظمهم هي الثقافة العربية ولغة قراءتهم وكتابتهم هي العربية. ولا شك أن القرآن هو جذر أصلي للثقافة العربية الإسلامية.
في الحقيقة فإن دوافع هؤلاء المثقفين ليست سيئة غالباً، ولا يقصد معظمهم الإساءة للمسلمين السوريين بالطبع، لكن المسلم السوري ينظر للأمر من موقع المتهم، الأمر الذي يجعل نقد الإسلام بهذه الطريقة مع الحساسية المتراكمة خلال الحرب الأخيرة، أمراً غير مقبول، يعتبره المسلم السوري وقاحة أو عنصرية ممارسة من هؤلاء المثقفين تجاهه.
لا ينتقد المثقفون العلمانيون الإسلام من أجل النقد أو التجريح، لا ينقدون الإسلام بقدر ما ينقدون بعض أدبياته التي يجدونها غير ممكنة التطبيق ومخالفة لشروط الحياة المعاصرة. إنهم ينتقدون مظاهر إسلامية حديثة مروّعة في سلوكها ينتقدها الجميع، ممثلة في داعش والنصرة.
لكن هؤلاء المثقفون لا يدركون أنهم بذلك يمارسون النقد على شريكهم السوري المسلم، أي أنهم ينتقدون الـ70 في المئة السورية، التي تشاركهم سوريا، ينتقدون الدين الذي هو بالنسبة للسوري المطارد كل لحظة بالموت آخر حصن لوجدانه ووجوده في مواجهة الموت الذي يحاصره من كل صوب، وهو بذلك يحمل بعداً مضاعفاً في أهميته في حال الحرب وتهديد الوجود.
الشريك السوري (السني) – ولنقل الأشياء بوضوح - ينظر إلى هؤلاء المثقفين العلمانيين العلويين أو المنحدرين من أصل علوي ويعرّفهم على أنهم علويين، ولا ينظر إليهم كعلمانيين، وهو كلما طالعه نقد من هؤلاء للإسلام سيشعر بالغبن من هذا "الشريك العلوي" الذي يدأب على نقده، لا يشفع لهؤلاء المثقفين العلويين العلمانيين أنهم معارضون لنظام الأسد، وهم يؤكدون في كل موقف أنهم ضده وهم بالتالي مع انتفاضة الشعب السوري. فهؤلاء لأنهم من أصول علوية مطالبون دائماً وأكثر من سواهم من المعارضين أن يظهروا معارضتهم كتابة ومواقفاً، وأما أن يضعوا أنفسهم في مواجهة الشارع السوري المسلم، الذي لجأ إلى الإسلام أكثر في الحرب بفعل عوامل الضغط الداخلية النفسية والوجودية وبفعل عوامل الاستقطاب والاغراء الخارجية فهو بمثابة إعلان حرب على الإسلام والمسلمين السوريين، وبالتالي إعلان حرب على الثورة!، على اعتبار أن المادة الحية والقطاع الأكبر الذي حمل على عاتقه الثورة هم من المسلمين السنة السوريين.
لن يقبل هذا الشارع السني السوري والثوري أن يسمع قول هؤلاء المثقفين، أنهم مثقفون معارضون للنظام كتبرير لنقدهم الإسلام، وستتكرس النظرة إليهم على أنهم مثقفون علويون وسيصنفون واحداً وراء الآخر على أنهم مثقفون علويون مع النظام يمارسون تقية وادعاء بالثورية، وسيتهمون في نفس الوقت بالباطنية، الملتصقة بالعلوي تاريخياً كأحد صفاته؟
اختلاف التموضع في عملية نقد الإسلام :
بعد هذا الاستدراك في موقف كل من المثقف العلوي المعارض الناقد للإسلام والشارع السوري السني الثوري، نعود لفكرتنا الرئيسة في المقارنة بين المثقف العلوي والمثقف السني السوريين في تموضعهما من عملية نقد الإسلام .
فالمثقف السوري العلماني المنحدر من بيئة سنية حين ينتقد الإسلام، يقوم بذلك من خلال موقعه الاجتماعي منتمياً إلى (مجتمع سني) من حيث الولادة أو الثقافة ولهذا ينظر له (الشارع السني) كمن يقوم بعملية نقد ذاتي من داخل الفضاء الإسلامي الذي ينتمي له، أما المثقف العلوي العلماني الناقد للإسلام فينظر له كدخيل أو معتدي على هذا الفضاء الإسلامي – ينظر له كآخر مفارق في الحد الأدنى وكعدو في الحد الأقصى.
فالمثقف (المنحدر من بيئة سنية) يمارس نقده للإسلام من داخل والمثقف العلوي يمارس نقده للإسلام من خارج، هكذا ينظر الشارع السني للاثنين، لا أهمية هنا لموقف السني السوري العادي أكان مع الإسلام أو ضده أو على الحياد، وبغض النظر عن محتوى النقد أو درجة توتره، فالمسألة لا تتعلق بنقد الإسلام أولاً، بل تتعلق بمن ينقده قبل كل شيء.
*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر روزنة.