من يدقّق في سجّل حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd)، الذي يدير المناطق الكُرديّة اليوم بنظام الـ"كانتونات" بخصوص المرأة، لا يستغرب من صدور قرار من نوع يرفع من شأن المرأة ويمنع تعدّد الزوجات تحت أيّ ظرفٍ كان، فهذا الحزب (وقبله حزب العمّال الكُردستانيّ) فتح الطريق أمام المرأة للانخراط في الحياة الحزبيّة، والعسكريّة؛ وما أنْ تتشكّل هيئة إداريّة كانت أم حزبيّة حتى تكون المرأة شريكة مع الرّجل في رأس الهرم؛ الرئاسة المشتركة، مسؤول رجل وآخر امرأة، فالحزب نفسه يقوده شخصان صالح مسلم وآسيا عبدالله، والمجالس الشعبيّة أيضاً عبدالسلام أحمد وسينم محمد، وكانتون الجزيرة حميدي دهاّم الجربا (العربي) هدية يوسف، و"كانتون" عفرين/كُرداغ هيفي مصطفى وهكذا.
شكّل ظهور المرأة على مسرح القتال في مواجهة داعش منذ ثلاث سنوات علامة فارقة في تاريخ المرأة الكُرديّة الحزبيّة والثوريّة، حيث أسّس الـ"pyd" إلى جانب مؤسسة المقاتلين تحت اسم "ypg" قوات الحماية الشعبيّة، مؤسسة المقاتلات"ypj" أي قوات حمايّة المرأة، والأخيرة لا تقل أهميّة عن مؤسّسة الذكور أي المقاتلين، ومع هجوم داعش على كُوباني ازدادت أهميّة المرأة في الحياة الحزبيّة والعسكريّة الكُرديّة، فجنباً إلى جنب أخذت المرأة مكانها في الخنادق وساحات النضال، ولعلّنا لم ننسَ العمليّة الاستشهادية للمقاتلة آرين ميركان في "جبل مشتنور"المطل على كُوباني التي قتلت بعمليتها الفدائية عدداً كبيراً من أرواح الدواعش.
وتمحورت قوانين الـ"كانتونات"، التي صدرت قبل أشهر بخصوص المرأة حول تأكيد أنّ"محاربة الذهنية السلطوية الرجعية في المجتمع واجبٌ على كلّ فرد في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية"، ويحقّ للمرأة "الترشّح والترشيح وتولي كافة المناصب"، كما يحقّ لها تشكيل التنظيمات السّياسية والاقتصادية والاجتماعيّة والثقافية"، و"المساواة بين شهادة المرأة وشهادة الرجل من حيث القيمة القانونية والمساواة بين الرجل والمرأة في كافة المسائل الإرثية"؛ ومنع تزويج الفتاة بدون موافقتها، كما منعوا تعدّد الزوجات، وتزويج الفتاة قبل إتمامها الثامنة عشر من عمرها، على أن يكون الطلاق بالإرادة المنفردة، فيما يحق لكلا الطرفين طلب التفريق". و"مشاركة الطرفين (الرجل والمرأة) في تأمين الحياة التشاركية"، و"عقوبة مشددة ومتساوية على كلا الزوجين لمن يرتكب الخيانة الزوجية من الطرفين، وتحريم الاتجار بالأطفال والنساء بكافة أنواعه وفرض عقوبة مشددة على مرتكبيها"، وللمرأة والرّجل حقوقٌ متساويةٌ فيما يخصّ قانون الجنسية"، و"للمرأة الحق في حضانة أطفالها حتى إتمامهم سن الخامسة عشر سواء تزوجت أم لم تتزوج ويكون بعدها حق الاختيار للأولاد، ومن واجب الطرفين تأمين السكن والنفقة للأطفال طيلة فترة الحضانة، وفي حال سفر الأولاد تحت سن الخامسة عشرة يتوجّب أخذ الإذن من الوالدين".
بيد أنّ ثمّة من يرى بأن القوانين شكليّة وأنّ صاحب الأمر هو الرّجل، وأنّ الغاية من القانون هو الاستفادة من إمكانيات المرأة من خلال إغرائها بالقوانين الحداثويّة، في الوقت الذي لا تعير الأحزاب الكُرديّة الأخرى أي اهتمام للمرأة وتعمل في حيّز المرأة بشكل جديّ أو تخصص جل وقتها لأجل انخراط المرأة حتى انّ البعض يرى بأن الأحزاب الكُرديّة الأخرى لا تسد الطريق أمام المرأة بسبب انّ الاهتمام بالمرأة وبشكل ملفت للنظر يعني التميّز بعينيه، يعني أنّ هذا التمييز لصالح الحزب وذلك القول "ها نحن نهتم بكنّ وعليكنّ الانخراط والعمل في وقت تعتبر المرأة هي جزءاً من أداة وليست صاحبة القرار".
وهناك من يقول: أنّ إصدار القوانين تلك شكلية الهدف منها إظهار مؤيديه على أنّهم حضاريين وحداثويين ، ويعلل هؤلاء بأن القوانين تلك تم توقيعها من قبل أناس مؤمنين بتعدد الزوجات وأنّ البعض من قيادة الـ"كانتونات" لهم سوابق في تعدّد الزوجات، كما أنّ هناك من قام بتزويج ابنته القاصر، أو إجبار بناته على الزواج من أبناء العمومة، وكون المرأة ومشاركتها هي تعبير حق للديمقراطيّة، لذا تمّ إصدار قوانين لها طابع تقدمي. وفوق كل ذلك ثمّة الموضوع يشغل البال وهو موضوع جلب القاصرات للعمل العسكري ...كما وان الاتفاق الأخير بين قوات الحمايّة الشعبيّة (الكُرديّة) مع الجبهة الشامية (في حلب) والذي يلزم إدارة الـ"كانتون" بتطبيق شرع الله يتعارض تماماُ مع تلك القوانين.
وما يثير الانتباه أنّ الواقع الكُردي الذي لم يودّع العشائرية بعدْ لم ير في تمتّع المرأة حقوقها نقص في كرامة"العشيرة"، ولدى كل رب عائلة طموح يرسل بناته للتعليم، ومن يؤمن بأهميّة التعليم يقبل سلفاً في انخراط ابنته في الحياة العامة.
ولا نستغرب أنّ قابليّة التحسّن الذهني تجاه المرأة من قبل الكُرد يتقدّم ويتطوّر بوتيرة قويّة، فقبل سنوات أصدر نيجرفان البرزاني(رئيس حكومة إقليم كُردستان العراق) قراراً يمنع تعدّد الزوجات، وقبل أربع سنوات من الآن رفعت نساء كُرديّات، خاصة النّساء، اللواتي تنتمين روحيّاً إلى فكر عبدالله أوجلان شعار "لسنا شرف أحد، حريتنا شرفنا"، وربّما عشرات الفعاليّات نشطة نادت بتحسين وضع المرأة الحقوقي وذلك قبل إصدار قوانين "الإدارة الذاتيّة" للمناطق الكُرديّة.
بقي أنْ نقول: أنّ الرّفع من شأن المرأة لا يقف في حدود إصدار ثلّة من القوانين الخاصة بهم، فحقوق المرأة والتمتع بها مرهون بالقوانين العامة للبلاد، ما يعني أنّ البيئة هي من تسمح للمرأة أو غيرها من الشرائح المغبونة تبوّء المشاركة في الحياة السياسيّة والاقتصادية والعامة، فضلاً عن أنّ العبرة ليست في إصدار قوانين عصريّة، إنّما بتنفيذ هذه القوانين وممارستها، فكل الأنظمة تتباهى بالقوانين الحديثة والمتطورة والتحدث بديمقراطية على عكس الواقع، فثمّة مقولة تقول:" من تحدث بالديمقراطية أكثر هو من أكثر الجهات التي تقفز على الديمقراطية وتعاني منها خاصة في منطقتنا"!