الشيخ وحيد البلعوس ليس وحيداً

الشيخ وحيد البلعوس ليس وحيداً
القصص | 07 فبراير 2015

مقالات الرأي | وحيد البلعوس شيخ دين ينتمي للمذهب الدرزي، علاقاته الدينية متشعبة داخل سوريا، وخارجها. كان يراقب بصمت طيلة الأعوام الثلاثة للثورة، فشل المعارضة في استقطاب الجبل لصالح الثورة، والممارسات العنفية المتزايدة للنظام، والتي لم تقتصر على مدن وبلدات وأحياء الثورة، بل كذلك طالت أهل مدينته؛ الحائرين والخائفين على مستقبلهم. حيث قتل شباب كثر منهم في حروب النظام ضد الشعب، وقتل بعضهم في المعتقلات والسجون واستلمت عائلاتهم بطاقاتهم الشخصية فقط! وبعضهم أصبح مجهول الهوية، وزاد على ذلك تعديات مستمرة ينالها الأهالي بشكل مستمر من أجهزة الأمن في المحافظة. 

سمع الشيخ الكثير من الأوجاع، وقرّر في العام الرابع للثورة الدفاع عن طائفته ومدينته. كتب بعضها مؤخراً في نص طويل، شرح فيه تلك المواجع؛ بعضها ذكرناه أعلاه، وبعضها يتناول ممارسات طائفية توجه لطائفته الدرزية. شكى وحيد لمشيخة العقل ذلك، واستمع لكثيرين ذهبوا إلى المشيخة لإخراج أولادهم من السجون، ولكنها لم تفعل شيئاً لهم، وهذا مما زاد في مواجع قلبه. 

هذا الرجل كما أغلبية أهل مدينته بدأوا يستشعرون قلقاً متصاعداً؛ فسوريا صارت مرتعاً لكل القتلة، وفيها تشن أمريكا حرباً عالمية على الإرهاب ضد داعش، والنظام يستقدم قوات من حزب الله وغيره للدفاع عنه. الرجل يقرأ الأحداث من زاوية دينية فهو يرى ويسمع ويتابع كل يوم ارتفاع صليل السلاح المستند إلى التمذهب الطائفي. وبسبب كل ذلك أيقن أن المستقبل ينذر بخطر كبير وصار لا بد من فعلٍ جديد في محافظته؛ فطائفته ذاتها قد تتعرض لهجمات إرهابية، سيما وأن جبهة النصرة قامت بعدة عمليات ضد السويداء لأنهم دروز، وربما تتقدم داعش نحو المدينة كذلك؛ ويشكل ضعف النظام سبباً إضافياً ليندفع الشيخ وكثير من الشباب للبحث عن الأمان، فشكل وحيد جماعته وتم تسليحها. 

وحيد ينتقد النظام، ويرفض كل ممارسات فساد مسؤوليه الأمنيين والمدنيين، ويحمله مسؤولية الحرب ورفض كل مخرج للحل السياسي. لكنه كذلك يرفض كل تدخل عسكري في سوريا من أمريكا وحلفها أو من روسيا وإيران، بل يتهم النظام بالتبعية لإيران. إذاً وحيد وجماعته لا يصنفون أنفسهم مع الثورة ولا مع النظام، فمن هم إذا؟!

أشاد الشيخ وحيد مؤخراً على صفحته بكاتب أخرجه وجماعته من طرفي الصراع، وأنّه يشكل ظاهرة جديدة، جماعة محلية بامتياز، تطرح قضايا مدينتها الأصلية الراهنة والمستقبلية، وترفض التفريط بوحدة البلاد أو أية أفكار تخص التقسيم. بروزه كقطب وكوجه شاب سرق الأضواء والسلطة من مشيخة العقل المتقادمة ما دفع تلك المشيخة والمقربين منها والنظام لاتهامه بالطائفية والداعشية، ومنهم من قال عنه أنه نصرة الدروز لتشدده الديني سواء بفرض اللباس على أولاده الصغار أو لمنع زوجته وكذلك أتباع من مغادرة المنزل. وهذا سبب إزعاجاً كبيراً له، فشن انتقادات متلاحقة بحضور ممثلي النظام في منزله "دارته" في بلدة المزرعة في السويداء، وكان أنصاره يطلقون الكلمات الحماسية لإيصال رسالة واضحة للمشيخة وللنظام، أن جماعة وحيد وجدت لتبقى، وهي ستعمل بشكل مستمرٍ لصالح المدينة وستمنع كل أشكال التعديات من النظام على الأهالي وستستمر بتسليح نفسها خوفاً من حرب مستقبلية ممكنة. 

شارك وحيد وجماعته في معركة بلدة داما، حيث هاجمت القرية بعض التشكيلات المسلحة، وسقط له وللأهالي شهداء، وأحاطت جماعته مرةً بدورية أمنية كانت تريد اعتقال أحد الأفراد، وتخاصم مع قائد الدورية وهو برتبة ضابط وصفعه، وأشرف أكثر من مرة على توزيع المازوت للأهالي منعاً للفساد الذي يمارس عادة في سرقة تلك المادة أو توزيعها بشكل غير عادل، وأنقذ أكثر من مرة شباب حاول النظام إجبارهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.

يشار أنّ ألاف الشباب في مدينة السويداء رفضوا الالتحاق بالخدمة، وهي ظاهرة تشمل كل سوريا، حيث أصبح الموت مصير من يلتحق، وهو ما أبرز هذه الظاهرة، والهجرة خوفاً من إجبارهم على ذلك.

منذ عدة أيام أصدرت مشيخة العقل قراراً بالإبعاد الديني

على وحيد وجماعته، وهذا يمنعه من دخول المجالس الدينية، ويشهّر فيه، ويترتب على ذلك إمّا إجبارهم على التراجع والعودة لتقديم الطاعة لمشيخة العقل، وهذا ما يبدو ليس بواردٍ أبداً، وإمّا تجاهل البعد الديني والاستمرار في تشكيل جماعته وتسليحها وربما حدوث مصادمات دامية مع النظام لاحقاً. ذَكّر قرار الإبعاد هذا بقرار الإبعاد الديني للزعيم سلطان باشا الأطرش أثناء الاحتلال الفرنسي.

القرار هذا ندد به كثير من أتباعه وكثير من أهالي السويداء، وتقاطر أتباعه إلى "دارته" للمؤازرة وإبراز الرفض لهذا القرار، والذي قال عنه جميع المؤيدين للرجل أنّه قرار سياسي وليس بدينيٍّ.

هل سيعود الشيخ وحيد البلعوس إلى حضن النظام ومشيخة العقل مجدداً، أم سيبقى محض ظاهرة دينية ومحلية، ويدافع عن طائفته ودينه؟! بكل الأحوال، حركته مقيدة بأفقٍ طائفيٍّ وتتشدّد في الممارسات الدينية، وهذا ما يبعده عن الالتحاق بالثورة كذلك!

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي روزنة.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق