يسير عبد الرحمن في حديقة عرنوس وسط دمشق، على كرسي متحرك، ترافقه خطيبته السابقة وزوجته الحالية عفاف، كما يحب أن يعرف عنها، ويقول: "دائماً ما أقدمها بهذه الطريقة، لكي يعلم الجميع كم هي امرأة عظيمة وكم أنا سعيد بوجودها ".
تقاطعه عفاف بنكزة من يدها، طالبةً منه التوقف عن الحديث، إلا أنه يصر على إكمال كلامه عنها: "هذه الحقيقة فلولا وجودها بقربي، لا أعلم ما كان هو حالي الآن".
عندما تتغير حياتك فجأةً
كثير من أصحاب الاحتياجات الخاصة سواء الذهنية أو الجسدية، استطاعوا قهر مشكلاتهم، وتحويلها إلى دافع لنجاحهم.
يقول عبد الرحمن: " ولدت طبيعياً، وعشت طفولة طبيعية، درست الترجمة وتخرجت منذ عدة سنوات، عملت سائق تكسي، تقدمت لخطبة عفاف منذ عامين، قبل أن أتعرض لإصابة في الأحداث الأخيرة، وفقدت القدرة على المشي".
عانى عبد الرحمن في البداية من صعوبة التأقلم مع حالته الجديدة، فهو كان يوصل الناس بسيارته، واليوم أصبح بحاجة إلى من يساعده، على حد قوله. ويضيف أنه بفضل عائلته وخطيبته تمكن من تخطي الأمر، وبعد 8 أشهر من الحادثة، طلبت منه عفاف الإسراع بإجراءات الزواج.
لم يتقبل فكرة الزواج وقتها، ولكن إصرار عفاف دفعه لدخول معترك الحياة مرة أخرى، ومضى على زواجهما ستة أشهر اليوم.
تعلق عفاف على هذه الفترة: "أنا ولله الحمد سعيدة جداً مع عبد الرحمن، ولا أعتبر زواجي به تنازلاً أو مغامرة بداعي الشفقة والعطف، أنا مقتنعة بأنه الرجل المناسب لي ".
خرجت من المستشفى ولم تجده
لا تسير الأمور دائماً على منوال الحب والالتزام بالعلاقة، فقد تخلى خطيب سهى عنها، بعد تعرضها لحادث سير أفقدها القدرة على المشي. وتقول سهى التي كانت تعمل كمدرسة في روضة أطفال: " بقي خطيبي بقربي في المشفى الذي أدخلوني إليه جراء الحادث، وعندما عدت للبيت علمت من والدته أنه قرر الانفصال عني".
أن تتخطى فقدانك لإحدى وظائفك الحركية، بالإضافة إلى شخص تحبه ليس أمراً سهلاً، لكن سهى تمكنت من الانطلاق مجدداً، بمساعدة شقيقها وزوجته، وبعدما انتسبت إلى إحدى الجمعيات، حيث مارست بعض النشاطات كالأعمال اليدوية وتعلم اللغات.
ماذا عن الشفقة؟
عادةً ما ينظر المجتمع إلى صاحب الاحتياجات الخاصة بعين الشفقة، أو التجاهل التام في بعض الأحيان، وهو ما يجعل حياته أكثر صعوبة.
"الشعور بالعجز لدى أصاحب الحاجات يكون شبه معدوم في البلاد المتحضرة، فالمدارس والمعاهد والمؤسسات والبلديات هناك قادرين على استقبالهم والتعامل معهم، كما أن لهم أماكنهم المخصصة في الأماكن العامة ووسائل النقل"، هذا ما تؤكده الاخصائية النفسية آية مهنا.
وتضيف أن الشعور بالعجز، يكون أكبر في البلدان التي تعاني من بطئ التطور، لعدم وجود أشخاص قادرين على التعامل معهم بشكل صحيح، ناهيك عن نظرة مجتمعاتنا الخاطئة لهم، والتي في كثير من الأحيان تحطمهم وتدفعهم للعزلة.
من المهم أن نتعاطف مع ذوي الحاجات الخاصة، لكن دون أن نشعرهم بالشفقة أو الخجل، وهذا يتم عبر توعية الأطفال في المدارس، ومن خلال الوسائل الإعلامية، و دعم مشاريع دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة مع الآخرين، و بناء أماكن مخصصة لهم، كما من المهم تدريب كوادر، قادرة على تأهيلهم ودعمهم نفسياً وصحياً بحسب الإمكانيات المتوافرة، حسبما ترى الأخصائية النفسية.
وتوضح أن "هناك أشخاص ولدت الإعاقة معهم، ومع مرور الوقت تعلموا أن يعتنوا بأنفسهم منذ البداية، وهم أفضل نسبياً من الأشخاص الذين تعرضوا لإصابات لاحقة، سببت لهم الإعاقة".
استغلال سياسي للحالات الإنسانية
يرى البعض أن الإعلام السوري، ما زال عاجزاً عن الاهتمام الكافي بشريحة ذوي الحاجات الخاصة، فيما يعتبر آخرون أنه يمارس دوراً سلبياً، من خلال تجاهله المقصود لهذه الشريحة، بالإضافة إلى انشغال وسائل الإعلام السوري بالشأن السياسي.
وتجد الصحفية بيسان الشيخ، أن أولوية الإعلام الرسمي في سوريا، تختلف عن اهتمامات المواطنين، سواءً كانوا أصحاء أم من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهو من حيث المبدأ، يسعى إلى توجيه رسالته، وليس نقل هموم المواطنين للمسؤولين.
أما عن الإعلام الخاص الذي نشأ بعد الثورة، فترى الصحفية في الحياة اللندنية، أنه لا يزال في مرحلة التشكل، ولم يصل بعد إلى مستوى الاحتراف.
ولكن المشكلة في رأيها، تكمن أيضاً في الاستغلال السياسي للحالات الإنسانية، الذي عادةً ما ينشط في فترات الحروب، فكل طرف يسعى لـ "شيطنة" الآخر عبر تقديم نماذج عن ضحاياه، وهذا سببه الاصطفاف السياسي، ودفاع كل فريق عن مجموعته، وقلة الخبرة المهنية.