مَر خبر إحراق صحف سورية معارضة تضامنت مع صحيفة "شارلي إبيدو" الفرنسية من قبل "جبهة النصرة" مرور الكرام، فلم تلقي تلك الحادثة بظلالها على الحدث السوري، على الرغم من فداحته، فحرق الصحف بتلك الطريقة البدائية هو محاولة لتصحير الفكر، هو حريق يطال الأفكار والأمنيات، قد يكون فعل عادي ضمن سيرورة الوضع السوري وتعقيداته في تلك المناطق، ولكن مدلولاته كثيرة، ففيه إرهاب جديد يطال حرية الفكر والتعبير على امتداد رقعة الوطن السوري.
كأنه مكتوب على الإعلامي السوري أن يبلع الموس على الحدين، يتعامل مع واقع يعرف سلفاً أنه للأسف (عنزة لو طارت)، لديه طموحات كثيرة ولكنه بلا جناحين، حتى وإن طار قليلاً، سرعان ما يقع في شرك تعقيدات الواقع السوري. إن كل إعلامي سوف يشعر بغصة إعلاميي تلك الصحف التي تم حرقها ومنع تداولها، وسوف يبتأس من الوضع، وهي مهمة شاقة ومليئة بالتعب، ولكنها بحاجة إلى جهود مشتركة مع مؤسسات حكومية ومدنية للوصول بالواقع إلى مستوى مقبول نسبياً.
إن الإدانة لم تعد تكفي لوقف ممارسات تلك المجموعات الإسلامية المتشددة، والمواطن السوري في تلك المناطق لن يتظاهر أو يحتج من أجل حرق صحيفة متضامنة مع صحيفة أساءت للرسول، فحرية التعبير في تلك المناطق مشروطة بالظروف وبالذهنية السائدة.
كما أن حرق الصحف لفت الإنتباه لعملها، وإلى مدى دورها وتأثيرها، في بيئة تحتاج إلى الكثير إضافة لقراءة الصحف، وهي جرأة تحسب لهم في ظل الواقع، ولفتت أيضاً إلى مدى جدية الإعلام البديل في تقديم وجبة إعلامية مختلفة. إعلام قادر على استقطاب الجميع وليس فقط شريحة واحدة مستهدفة بعينها، ومما لاشك فيه أن رسالة الإعلام في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري صعبة للغاية، نظراً لتشكل سلطة دينية من أهم مفرزاتها تقييد الحريات بإسم الدين، إضافة إلى غياب نشطاء تلك المناطق المدنيين، حيث استقر غالبيتهم إما في تركيا أو في دول اللجوء، مما جعل الهوة تتسع بين الواقع والطموح فيما يخص الإعلام.
أمام هذا الواقع ومفرزاته فإن ما فعلته الصحف على الرغم من النوايا الطيبة، فإنه مغامرة لم تكن محسوبة النتائج بخصوص التضامن مع "شارلي إبيدو"، وليست شجاعة في تلك المناطق، فذلك ساعد تلك المجموعات المسيطرة في ايجاد ذريعة لإغلاق باب يطل منه النشطاء المدنيين على الناس.
وما يدعو للخوف والحذر أيضاً أن ما حدث قد يعرض حياة إعلاميي تلك الصحف للخطر، لأن تحليل القتل سهل جداً، ولا يوجد من يحمي الإعلاميين، لا مؤسسات أمنية ولا دول ولا منظمات إعلامية. فالعمل الإعلامي في تلك المناطق محفوف بالمخاطر، والعمل يحتاج إلى اعتماد خطة حفر الأنفاق، خطوة خطوة، وتحايل على سلطات الأمر الواقع التي لا يمكن تجاوزها مطلقاً، فلدى تلك المجموعات وسائل تعذيب ومحاكمات وأفرع أمنية خاصة بها، ومتعاونين في تلك المناطق وقد تتجاوز حدودها الجغرافية، فقد أعادت السنوات الأربع من عمر الثورة السورية تلك المناطق، إلى صحراء قاحلة من التجدد الفكري بين شريحة واسعة من شبابها، اللذين كان ممكن التعويل عليهم لبناء بيئة مدنية، ساعد في ذلك غياب المعارضة السياسية كالحكومة المؤقتة واقتصار وجودها في تركيا، وابتعادها عن تلك المناطق على الرغم من أنها خارج سيطرة النظام، والتحجج بالغارات الجوية حجة تسويفية، لأن من يعيش تحت ويلاتها من المفترض حمايتهم ومن من أجلهم تأتي التمويلات من الدول الداعمة، كل تلك الأسباب إضافة لغيرها أمر فاقم في رداءة الأوضاع في تلك المناطق المتروكة لمصيرها.
وعليه فإن حرق الصحف وخطف الإعلاميين والممارسات الأخرى بحق الناس العزل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، هي مسؤولية الحكومة المؤقتة والإئتلاف، فالتحدث باسم الشعب السوري يتطلب مسؤوليات كبيرة ملقاة على عاتقهم وليس هبة صورية، وليس لتلقي الهبات والمعونات فقط، وليس لتصدر المشهد في المؤتمرات والإجتماعات، وإلا لا معنى لوجودهم.
إن حرية التعبير الحقيقة التي تفيد تلك المناطق هي في أن يصرخ كل اعلامي في وجه هؤلاء، من كانوا نسخة مشوهة عن عمل مؤسسات النظام السوري، في إزاحتهم أو إجبارهم على العمل من الداخل، فنظام الوجبات الجاهزة لا يسمن مواطني تلك المناطق، ولن يغير أوضاعهم التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.