بدأ النظام السوري يكشف عن نياته في مدينة الحسكة، إذ يحاول جر وحدات حماية الشعب "الكردية" إلى معركة استنزاف مكشوفة الظهر، ليصار إلى ضربها من الخلف من قبل عدوها اللدود داعش، والذي يحاول منذ سنتين فرض سيطرته على المنطقة بالكامل. وهو ما يجري على الأرض الآن، حيث المعارك مستمرة بين داعش والوحدات الكوردية المقاتلة، في حين أن قوات النظام السوري تراقب وتتريث.
يحاول النظام إنهاك الطرفين ليصار إلى عودة نفوذه وسيطرته على المدينة وريفها بالكامل، ولكن يبدو أنه توصل في الفترة الأخيرة إلى قناعة بأن وجوده في المحافظة مؤقت ومرتبط بالتوازن العسكري بين القوتين المتصارعتين، الوحدات الكوردية وداعش.
ترى أيديولوجية النظام القائمة على"القومية الشوفينية"، في الشعب الكوردي عدو استراتيجي يريد اقتطاع جزء من التراب السوري، لذلك ضروري أن يثبت النظام السوري لعرب المنطقة والمجموعات الإسلامية الراديكالية بأنه لو خيّر بين الطرفين، سيختار السوء "داعش" ولن يختار الانفصالي "الأكراد".
المعركة الدائرة في مدينة الحسكة والتي ما زالت مستمرة حتى كتابة هذا المقال بين القوتين –النظام السوري بوحداته النظامية والأمنية، ووحدات حماية الشعب "الكوردية"- من أجل التحكم بإدارتها، وشملت المعارك تقريباً غالبية أحياء المدينة وخاصة الكوردية منها، مع قصف مدفعي مركز وتحليق للطيران الحربي، أدت إلى ترك أعداد كبيرة من المدنيين لمنازلهم وسقوط ضحايا من الجانبين. وبدأت الاشتباكات العنيفة مساء يوم الجمعة، بعد أن خرقت قوات النظام السوري الاتفاق المعقود مع الوحدات الكوردية منذ عدة أشهر، والذي تم التوصل إليه بعد اشتباكات بين الجانبين لم تدم طويلاً، فيما بعد توصل الطرفان إلى هدنة يحتفظ كل طرف بمواقعه مع تحديد منطقة منزوعة السلاح بينهما.
من جهة أخرى هناك سيطرة شبه كاملة لداعش على جنوب شرقي المدينة، بعد أن سيطرت على الفوج العسكري في "الملبية" القريبة من المدينة بعد هروب عناصرها وترك أسلحتهم الثقيلة والخفيفة لتقع في أيدي داعش. لن تكون عملية السيطرة على الحسكة بسهولة، إلا إذا اتفق النظام السوري مع داعش لتسليمها المدينة وهذا غير مستبعد، لأنه لن يترك المدينة للكورد، لا بل يصرح بشكل علني بأنه ضد ما أعلنه الكورد من جانبهم بخصوص شكل الإدارة لمنطقتهم.
يرى النظام أن الكورد لن يخدموا أجنداته الآن، وأراد سابقاً أن يخلق حالة من العداء بين الكورد من طرف وبين المناهضين له من الأطراف الأخرى مستفيداً من عدم رغبة الكورد في مشاركة الجماعات المسلحة التي تقاتله، لأن أجنداتهم لا تتفق مع رؤية ومصلحة ومواقف الطرف الكوردي. وقد جرت تفاهمات ميدانية بين الطرفين داخل مناطق تواجد قوتهما دون أن تكون لتلك التفاهمات اتفاق رسمي بل أمورا عملياتية مرتبطة مع مسؤولي تلك المناطق، سواء كان من جانب النظام أو القوات الكردية تماما، كما هو في موضوع التفاهمات التي حصلت في العديد من المناطق بين المجموعات المسلحة المعارضة للنظام والقوات الكردية.
لا يثق النظام السوري بالجانب الكوردي ولا يعتبره حليفاً، الجانب الكوردي يعمل من أجل تعزيز مكاسبه على الأرض والاستفادة قدر الإمكان من وضع التهدئة مع النظام ليتفرغ لغزوات داعش الوحشية نحو المدن والبلدات والمناطق والقوى الكوردية، لكن يبدو أن هذه الحالة وصلت إلى نهايتها، وسيعمل النظام لاحقاً على تحطيم القوات الكردية، وقبول تحكمه بها، أو يفسح المجال لداعش كي تقوم بالمهمة، وتسيطر على المنطقة.
توقفت المعارك بين النظام السوري وداعش، بعد تهدئة الوضع في حي غويران. والتحركات غير المسبوقة له في محيط مدينة قامشلو دون أن يتعرض لأي ضربات من داعش المتواجدة بالقرب من نقاط تحركات القوات النظامية، تشير إلى تفاهم الطرفين على اللعبة، ربما بدون اتفاق. ويعمد إلى استفزاز القوات الكردية ومحاولة جرها إلى معركة شاملة، لتستفيد داعش من الظرف المناسب للهجوم ومحاولة السيطرة على قامشلو والحسكة أو إحداهما على الأقل.